الدعاة إلى الله أن يعيشوا الروح النقية الطاهرة كما عاشها في انفتاحه بالرحمة على الناس كلهم ، وأن يبلّغوا بالأسلوب الطيّب الأحسن كما بلّغ ، وأن يكون نهجهم النهج القرآني في تيسير الفكرة والأسلوب والدعوة كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ٢٢].
* * *
(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى)
(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) فإن دور الرسول أن يخرج الناس من الظلمة الفكرية والروحية التي تمنع النور من النفاذ إلى عقولهم ، وينقذهم من حالة التخبط الحائر الذي يعيشونه أمام أشباح الظلام وتهاويله ، وأن يحطّم أسوار الغفلة التي تحول بينهم وبين الانفتاح على المعرفة التي تذكرهم بالله وباليوم الآخر وتعرّفهم مسئوليتهم ، لينطلقوا إلى الآفاق الواسعة التي تلتقي بالرسالة الهادية في العقيدة وفي الشريعة ، وفي المنهج الفكريّ والروحيّ والعمليّ في الحياة. ولا بدّ له من أن يكرّر الكلمة ، في أكثر من موقع ، ويطلق الفكرة في أكثر من أسلوب ، ويتابع التجربة حتى يستنفد كل احتمال ، ولا ييأس مهما كانت التحديات صعبة ، لأن المسألة هي تحطيم الحواجز النفسية التي تحول بينهم وبين الذكرى ، لينطلق الإنسان حرّا في فكره وإرادته. وقد تحتاج التجربة إلى وقت طويل ، وأسلوب متنوّع ، ونفس طويل ، لأن التخلّف الفكري ، والرواسب الجاهلية ، والعاطفة التقليدية المرتبطة بالآباء وبالمجتمع ، قد تفرض نفسها على الشخصية من كل جانب ، بحيث لا يتمكن الداعية من القضاء عليها في وقت قصير ، لا سيما عند ما تتحرّك كل هذه العناصر لتضع الرافض في موقف الكافر. ولهذا فرض القرآن الدعوة إلى التذكر في أجواء احتمال إمكانية النفع التي تختزن فرضيّة عدم النّفع.
(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) لأن الذي يثير الخوف من الله في نفسه ، لا بد من أن