ييسر لهم الدخول إلى قلوب الناس من موقع المحبة ، وإلى أفكارهم من موقع اليسر الفكري والتعبيري ، وإلى حياتهم من موقع اليسر العملي ، بحيث يعملون على تقديم الإسلام إلى الناس في عقيدته وشريعته ومنهجه ومواقفه السياسية والاجتماعية والجهادية في هذا الاتجاه ، ليحبّبوه إليهم في صورته الميسّرة ، بدلا من أن يفرضوا مزاجهم المعقّد القاسي عليهم في خط الدعوة والحركة والموقف ، كما يفعل بعض المبلّغين الذين يرون في مهمّة الدعوة مهنة تقليدية ، يؤدّونها إلى الناس بشكل جامد لا يخلو من القسوة والعسر والتعقيد ، فإذا لم يتجاوب الناس معهم ، اتهموهم بالبعد عن الحق وعن الدين والرفض لمفاهيمه وأحكامه ومناهجه ، بدلا من أن يتهموا أنفسهم بالبعد عن اليسر في أسلوبهم وفي شخصياتهم وفي طريقتهم في إدارة العلاقات مع الناس.
وقد قص الله علينا أخلاقية الرسول في شخصية الإنسان الداعية ، فقال سبحانه : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ، وقال سبحانه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩] ، وقال سبحانه في صفته وصفة رسالته : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ١٥٧].
فقد كان خلقه عظيما بحيث تحوّل إلى تجسيد عمليّ في حركة رسالته ، في ما يختزنه من عمق الرحمة القلبية التي كانت رحمة من الله لهم ، في ما تمثل به أسلوبه من اللين في الكلمة والنظرة والمعاملة المنطلقة من الرقّة في المشاعر القلبية ، وعمل على أن يضع عن الناس الأثقال التي أثقلت حياتهم ، والأغلال التي كانت تكبلهم. وهكذا ، أرادنا الله أن نجعله القدوة كما التزمناه نبيا في إبلاغ الرسالة ، فقال سبحانه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) [الأحزاب : ٢١]. مما يفرض على