أخرجه من الأرض (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) فيتحول إلى أوراق يابسة وأغصان ذابلة ، وتزول كل تلك الحيويّة النضرة في الألوان المتنوعة ، فإذا هو أميل إلى السواد ، فهو أحوى.
ويبلغ التقدير الإلهي مداه في ذلك كله لينتظر العودة إلى حركته في فصول جديدة ورحلة جديدة للنموّ والحياة الخضراء. وفي هذا إشارة خفيّة للتدبير الإلهي في إبداع الإنسان في إخراجه إلى الحياة ثمّ في تحوّله إلى شيء ميّت .. ثم إلى تراب .. ثم تبدأ رحلة الحياة من جديد ، ولكن في عالم آخر ..
* * *
(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)
ويمتلئ الوجدان في تطلعاته ، والقلب في نبضاته ، والروح في إيحاءاتها ، بالتعبئة الروحية في الإحساس بعلوّ الله وعظمته وخلقه وتقديره وتدبيره وإخراجه المرعى ، فإذا بالإنسان ـ النبيّ ، أو الإنسان ـ الداعية ، مفتوح الفكر لتلقّي آيات الله بوعي ، منفتح الروح على وحيه ، في ما هو الإعداد النفسي لحمل الرسالة ، والانفتاح على المسؤولية في حركتها ...
ويأتي الخطاب من الله ، ليعدّ النبي للمهمة (سَنُقْرِئُكَ) كل الوحي الذي تتحمل مسئولية وعيه في نفسك ، وإبلاغه إلى الناس ، وسنملأ قلبك به ، وسيتعمق في كيانك (فَلا تَنْسى) شيئا منه ، لأن النسيان لن يحصل إلا للذين يعيشون وعي القضايا في أجواء مشاغلهم وهمومهم واهتماماتهم ، ولكنك تستوعبه وتحتضنه في وجدانك من خلال عمق الوعي وعمق المسؤولية ، في أجواء اللطف الإلهي الذي يشرق في فكرك نورا ، وفي روحك روحا ، وفي مشاعرك طهرا وصفاء ، فلا يدنو النسيان إلى فكرك ، ولا تقترب الغفلة من قلبك ، لأن المسألة في القرآن ليست مسألتك الشخصية ، في ما يتصل بحياتك الخاصة ، وليست مسألة المرحلة الزمنية المحدودة ، في ما يحكم حاجة تلك