من اللحم ، أو أن تضحّي بنفسها كجزء من الجلد الذي لا يلبث حتى يبلى. وعليها أن تصنع ميناء الأسنان ، وأن تنتج السائل الشفّاف في العين ، أو أن تدخل في تكوين الأنف أو الأذن. ثم على كل خليّة أن تكيّف نفسها من حيث الشكل ، وكل خاصيّة أخرى لازمة لتأدية مهمتها. ومن العسير أن نتصوّر أن خليّة ما هي ذات يد يمنى أو يسرى ، ولكنّ إحدى الخلايا تصبح جزءا من الأذن اليمنى ، بينما الأخرى تصبح جزءا من الأذن اليسرى.
... وإن مئات الآلاف من الخلايا تبدو كأنها مدفوعة لأن تفعل الشيء الصواب في الوقت الصواب وفي المكان الصواب!» (١).
* * *
ذكاء بعض الحيوانات الغريزيّ
وفي فصل رابع يقول :
«في خليط الخلق ، قد أتيح لكثير من المخلوقات أن تبدي درجة عالية من أشكال معيّنة من الغريزة أو الذكاء أو ما لا ندري. فالدّبور مثلا يصيد الجندب النطّاط ، ويحفر حفرة في الأرض ، ويخز الجندب في المكان المناسب تماما حتى يفقد وعيه ، ولكنه يعيش كنوع من اللحم المحفوظ ..
وأنثى الدبّور تضع بيضا في المكان المناسب بالضبط ، ولعلها لا تدري أن صغارها حين تفقس يمكنها أن تتغذى ، دون أن تقتل الحشرة التي هي غذاؤها ، فيكون ذلك خطرا على وجودها. ولا بد أن الدبور قد فعل ذلك من البداية وكرّره دائما ، وإلا ما بقيت زنابير على وجه الأرض. والعلم لا يجد تفسيرا لهذه الظاهرة الخفية ، ولكنها مع ذلك لا يمكن أن تنسب إلى المصادفة!.
وإن أنثى الدبور تغطي حفرة في الأرض ، وترحل فرحا ، ثم تموت ، فلا هي ولا أسلافها قد فكرت في هذه العملية ، وهي لا تعلم ماذا يحدث لصغارها ، أو أن
__________________
(١) (م. س) ، م : ٨ ، ج : ٣٠ ، ص : ٥٤٧ ـ ٥٤٨.