واليوم الآخر في الموضعين للإشعار بأن الباعث على الجهاد والوازع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما. (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) يتحيرون.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ)(٤٦)
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ) للخروج. (عُدَّةً) أهبة وقرئ «عده» بحذف التاء عند الإضافة كقوله :
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا |
|
وأخلفوك عدّا الأمر الّذي وعدوا |
و «عده» بكسر العين بالإضافة و «عدة» بغيرها. (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) استدرك عن مفهوم قوله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) كأنه قال ما خرجوا ولكن تثبطوا لأنه تعالى كره انبعاثهم أي نهوضهم للخروج. (فَثَبَّطَهُمْ) فحبسهم بالجبن والكسل. (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم ، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو إذن الرسول عليهالسلام لهم والقاعدين يحتمل المعذورين وغيرهم وعلى الوجهين لا يخلو عن ذم.
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(٤٧)
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ) بخروجهم شيئا. (إِلَّا خَبالاً) فسادا وشرا ولا يستلزم ذلك أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء ، ولأجل هذا التوهم جعل الاستثناء منقطعا وليس كذلك لأنه لا يكون مفرغا. (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنميمة والتضريب ، أو الهزيمة والتخذيل من وضع البعير وضعا إذا أسرع. (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم أو الرعب في قلوبكم ، والجملة حال من الضمير في «أوضعوا». (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) ضعفة يسمعون قولهم ويطيعونهم ، أو نمامون يسمعون حديثكم للنقل إليهم. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فيعلم ضمائرهم وما يتأتى منهم.
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)(٤٩)
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) تشتيت أمرك وتفريق أصحابك. (مِنْ قَبْلُ) يعني يوم أحد فطن ابن أبي وأصحابه كما تخلفوا عن تبوك بعد ما خرجوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع انصرفوا يوم أحد. (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) ودبروا لك المكايد والحيل ودوروا الآراء في إبطال أمرك. (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) بالنصر والتأييد الإلهي. (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) وعلا دينه. (وَهُمْ كارِهُونَ) أي على رغم منهم ، والآيتان لتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين على تخلفهم وبيان ما ثبطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة اعتذارهم تداركا لما فوت الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمبادرة إلى الإذن ولذلك عوتب عليه. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) في القعود. (وَلا تَفْتِنِّي) ولا توقعني في الفتنة أي في العصيان والمخالفة بأن لا تأذن لي ، وفيه إشعار بأنه لا محالة متخلف أذن له أم لم يأذن ، أو في الفتنة بسبب ضياع المال والعيال إذ لا كافل لهم بعدي. أو في الفتنة لنساء الروم لما روي : أن جد بن قيس قال : قد علمت الأنصار أني مولع بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر