السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك ، وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم. (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة. (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقين.
(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الأطماع عنه كقوله (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ).
(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)(٩٧)
(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ) ثبتت عليهم. (كَلِمَتُ رَبِّكَ) بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في العذاب. (لا يُؤْمِنُونَ) إذ لا يكذب كلامه ولا ينتقض قضاؤه.
(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) فإن السبب الأصلي لإيمانهم وهو تعلق إرادة الله تعالى به مفقود. (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) وحينئذ لا ينفعهم كما لا ينفع فرعون.
(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(٩٨)
(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ، ولم تؤخر إليها كما أخر فرعون. (فَنَفَعَها إِيمانُها) بأن يقبله الله منها ويكشف العذاب عنها. (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) لكن قوم يونس عليهالسلام. (لَمَّا آمَنُوا) أول ما رأوا أمارة العذاب ولم يؤخروه إلى حلوله. (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ويجوز أن تكون الجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه ، فيكون الاستثناء متصلا لأن المراد من القرى أهاليها كأنه قال : ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس ، ويؤيده قراءة الرفع على البدل. (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) إلى آجالهم. روي : (أن يونس عليهالسلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل ، فكذبوه وأصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث. وقيل إلى ثلاثين. وقيل إلى أربعين ، فلما دنا الموعد أغامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم ، فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه ، فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرقوا بين كل والدة وولدها فحن بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأخلصوا التوبة وأظهروا الإيمان وتضرعوا إلى الله تعالى ، فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة).
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(٩٩)
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) بحيث لا يشذ منهم أحد. (جَمِيعاً) مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه ، وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ إيمانهم أجمعين ، وأن من شاء إيمانه يؤمن لا محالة ، والتقييد بمشيئة الإلجاء خلاف الظاهر. (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) بما لم يشأ الله منهم. (حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وترتيب الإكراه على المشيئة بالفاء وإيلاؤها حرف الاستفهام للإنكار ، وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل فلا يمكن تحصيله بالإكراه عليه فضلا عن الحث والتحريض عليه ؛ إذ روي أنه كان حريصا على إيمان قومه شديد الاهتمام به فنزلت. ولذلك قرره بقوله :