(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) اخترتك. (عَلَى النَّاسِ) أي الموجودين في زمانك ، وهارون وإن كان نبيا كان مأمورا باتباعه ولم يكن كليما ولا صاحب شرع. (بِرِسالاتِي) يعني أسفار التوراة وقرأ ابن كثير ونافع «برسالتي». (وَبِكَلامِي) وبتكليمي إياك. (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) أعطيتك من الرسالة. (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) على النعمة فيه. روي أن سؤال الرؤية كان يوم عرفة ، وإعطاء التوراة كان يوم النحر.
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) مما يحتاجون إليه من أمر الدين. (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) بدل من الجار والمجرور ، أي وكتبنا له كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام. واختلف في أن الألواح كانت عشرة أو سبعة ، وكانت من زمرد أو زبرجد ، أو ياقوت أحمر أو صخرة صماء لينها الله لموسى فقطعها بيده وسقفها بأصابعه وكان فيها التوراة أو غيرها. (فَخُذْها) على إضمار القول عطفا على كتبنا أو بدل من قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) والهاء للألواح أو لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء أو للرسالات. (بِقُوَّةٍ) بجد وعزيمة. (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي بأحسن ما فيها كالصبر والعفو بالإضافة إلى الانتصار ، والاقتصاص على طريقة الندب والحث على الأفضل كقوله تعالى : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ). أو بواجباتها فإن الواجب أحسن من غيره ، ويجوز أن يراد بالأحسن البالغ في الحسن مطلقا لا بالإضافة ، وهو المأمور به كقولهم الصيف أحر من الشتاء. (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ، أو منازل عاد وثمود وأضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا ، أو دارهم في الآخرة وهي جهنم. وقرئ «سأوريكم» بمعنى سأبين لكم من أوريت الزند و «سأورثكم» ، ويؤيده قوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ).
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤٧)
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) المنصوبة في الآفاق والأنفس. (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. وقيل سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما فعل فرعون فعاد عليه بأعلائها أو بإهلاكهم. (بِغَيْرِ الْحَقِ) صلة يتكبرون أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل ، أو حال من فاعله. (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) منزلة أو معجزة. (لا يُؤْمِنُوا بِها) لعنادهم واختلال عقولهم بسبب انهماكهم في الهوى والتقليد وهو يؤيد الوجه الأول. (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لاستيلاء الشيطنة عليهم. وقرأ حمزة والكسائي (الرُّشْدِ) بفتحتين وقرئ «الرشاد» وثلاثتها لغات كالسقم والسقم والسقام ، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم للآيات ، ويجوز أن ينصب ذلك على المصدر أي سأصرف ذلك الصرف بسببهما.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي ولقائهم الدار الآخرة ، أو ما وعد الله في الدار الآخرة. (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لا ينتفعون بها. (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إلا جزاء أعمالهم.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١٤٩)
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ) من بعد ذهابه للميقات. (مِنْ حُلِيِّهِمْ) التي استعاروا من القبط حين هموا