(فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي دعاؤهم واستغاثتهم ، أو ما كانوا يدّعونه من دينهم. (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وبطلانه تحسرا عليهم.
(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ)(٧)
(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) عن قبول الرسالة وإجابتهم الرسل. (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) عما أجيبوا به ، والمراد من هذا السؤال توبيخ للكفرة وتقريعهم ، والمنفي في قوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) سؤال استعلام. أو الأول في موقف الحساب وهذا عند حصولهم على العقوبة.
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) على الرسل حين يقولون (لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، أو على الرسل والمرسل إليهم ما كانوا عليه. (بِعِلْمٍ) عالمين بظواهرهم وبواطنهم ، أو بمعلومنا منهم. (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم فيخفى علينا شيء من أحوالهم.
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ)(٩)
(وَالْوَزْنُ) أي القضاء ، أو وزن الأعمال وهو مقابلتها بالجزاء. والجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان له لسان وكفتان ، ينظر إليه الخلائق إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة ، كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وتشهد بها جوارحهم. ويؤيده ما روي : أن الرجل يؤتى به إلى الميزان فينشر عليه تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ، فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة. وقيل توزن الأشخاص لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «إنه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة». (يَوْمَئِذٍ) خبر المبتدأ الذي هو الوزن. (الْحَقُ) صفته ، أو خبر محذوف ومعناه العدل السوي. (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) حسناته ، أو ما يوزن به حسناته فهو جمع موزون أو ميزان وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات وتعدد الوزن. (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالنجاة والثواب.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها ، واقتراف ما عرضها للعذاب. (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) فيكذبون بدل التصديق.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(١١)
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها. (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أسبابا تعيشون بها ، جمع معيشة. وعن نافع أنه همزة تشبيها بما الياء فيه زائدة كصحائف. (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) فيما صنعت إليكم.
(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أي خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ثم صورناه. نزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره ، أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا آدم ثم صورناه. (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) وقيل ثم لتأخير الأخبار. (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ممن سجد لآدم.
(قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما