أثقله وأصله الثخانة ، وقرئ «يثخن» بالتشديد للمبالغة. (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) حطامها بأخذكم الفداء. (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل ثواب الآخرة من إعزاز دينه وقمع أعدائه. وقرئ بجر (الْآخِرَةَ) على إضمار المضاف كقوله :
أكلّ امرئ تحسبين امرأ |
|
ونار توقد باللّيل نارا |
(وَاللهُ عَزِيزٌ) يغلب أولياءه على أعدائه. (حَكِيمٌ) يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها ، كما أمر بالإثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين. روي أنه عليهالسلام أتي يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك ، وقال عمر رضي الله تعالى عنه : اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وإن الله أغناك عن الفداء ، مكني من فلان ـ لنسيب له ـ ومكن عليا وحمزة من أخويهما فلنضرب أعناقهم ، فلم يهو ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين ، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ومثلك يا عمر مثل نوح قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) فخير أصحابه فأخذوا الفداء ، فنزلت فدخل عمر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : «يا رسول الله أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال : أبك على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، لشجرة قريبة». والآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه.
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦٩)
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ ، وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما بما لم يصرح لهم بالنهي عنه ، أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم. (لَمَسَّكُمْ) لنالكم. (فِيما أَخَذْتُمْ) من الفداء. (عَذابٌ عَظِيمٌ) روي أنه عليهالسلام قال : «لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ». وذلك لأنه أيضا أشار بالإثخان.
(فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) من الفدية فإنها من جملة الغنائم. وقيل أمسكوا عن الغنائم فنزلت. والفاء للتسبب والسبب محذوف تقديره : أبحت لكم الغنائم فكلوا ، وبنحوه تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة. (حَلالاً) حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا حلالا ، وفائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة ، أو حرمتها على الأولين ولذلك وصفه بقوله : (طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفته. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) غفر لكم ذنبكم (رَحِيمٌ) أباح لكم ما أخذتم.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٧١)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) وقرأ أبو عمرو «من الأسارى». (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) إيمانا وإخلاصا. (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) من الفداء. روي (أنها نزلت في العباس رضي الله عنه