الحياة الدنيا كان الأحظ بها أشرف عندهم والمحروم منها أرذل. (وَما نَرى لَكُمْ) لك ولمتبعيك. (عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) يؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة. (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) إياك في دعوى النبوة وإياهم في دعوى العلم بصدقك فغلب المخاطب على الغائبين.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)(٢٩)
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أخبروني. (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) حجة شاهدة بصحة دعواي. (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) بإيتاء البينة أو النبوة. (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) فخفيت عليكم فلم تهدكم وتوحيد الضمير لأن البينة في نفسها هي الرحمة ، أو لأن خفاءها يوجب خفاء النبوة ، أو على تقدير فعميت بعد البينة وحذفها للاختصار أو لأنه لكل واحدة منهما. وقرأ حمزة والكسائي وحفص (فَعُمِّيَتْ) أي أخفيت. وقرئ «فعماها» على أن الفعل لله. (أَنُلْزِمُكُمُوها) أنكرهكم على الاهتداء بها. (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) لا تختارونها ولا تتأملون فيها ، وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا وقدم الأعرف منهما جاز في الثاني الفصل والوصل.
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التبليغ وهو وإن لم يذكر فمعلوم مما ذكر. (مالاً) جعلا (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فإنه المأمول منه. (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) جواب لهم حين سألوا طردهم. (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) فيخاصمون طاردهم عنده ، أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم. (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) بلقاء ربكم أو بأقدارهم أو في التماس طردهم ، أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل.
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)(٣١)
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) بدفع انتقامه. (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) وهم بتلك الصفة والمثابة. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) لتعرفوا أن التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.
(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي. (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) عطف على (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أي : ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعادا ، أو حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ، وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول. (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا. (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم. (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا. (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) إن قلت شيئا من ذلك ، والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر وإسناده إلى الأعين للمبالغة ، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم.
(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٣٣)
(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) خاصمتنا. (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) فأطلته أو أتيت بأنواعه. (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من