(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) بكفرهم ومعاصيهم. (ما تَرَكَ عَلَيْها) على الأرض ، وإنما أضمرها من غير ذكر للدلالة الناس والدابة عليها. (مِنْ دَابَّةٍ) قط بشؤم ظلمهم. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : كاد الجعل يهلك في حجره بذنب ابن آدم أو من دابة ظالمة. وقيل لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء. (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) سماه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا. (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) بل هلكوا أو عذبوا حينئذ لا محالة ، ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم أن يكونوا كلهم ظالمين حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ)(٦٢)
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) أي ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة ، والاستخفاف بالرسل وأراذل الأموال. (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) مع ذلك وهو. (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) أي عند الله كقوله: (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) وقرئ «الكذب» جمع كذوب صفة للألسنة. (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) رد لكلامهم وإثبات لضده. (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) مقدمون إلى النار من أفرطته في طلب الماء إذا قدمته. وقرأ نافع بكسر الراء على أنه من الإفراط في المعاصي. وقرئ بالتشديد مفتوحا من فرطته في طلب الماء ومكسورا من التفريط في الطاعات.
(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٦٣)
(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) فأصروا على قبائحها وكفروا بالمرسلين. (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) أي في الدنيا ، وعبر باليوم عن زمانها أو فهو وليهم حين كان يزين لهم ، أو يوم القيامة على أنه حكاية حال ماضية أو آتية ، ويجوز أن يكون الضمير لقريش أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم وهو ولي هؤلاء اليوم يغريهم ويغويهم ، وإن يقدر مضاف أي فهو ولي أمثالهم ، والولي القرين أو الناصر فيكون نفيا للناصر لهم على أبلغ الوجوه. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في القيامة.
(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)(٦٥)
(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ) للناس. (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) من التوحيد والقدر وأحوال المعاد وأحكام الأفعال. (وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) معطوفان على محل لتبين فإنهما فعلا المنزل بخلاف التبيين.
(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع تدبر وإنصاف.
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ)(٦٦)
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم. (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) استئناف لبيان العبرة ، وإنما ذكر الضمير ووحده ها هنا للفظ وأنثه في سورة «المؤمنين» للمعنى ، فإن (الْأَنْعامِ) اسم