الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)(٥١)
(قُلِ) جوابا لهم. (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً).
(أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها ، فإن قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض ، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد. (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وكنتم ترابا وما هو أبعد منه من الحياة. (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء. (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) فإن كل ما هو آت قريب ، وانتصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب ، و (أَنْ يَكُونَ) اسم (عَسى) أو خبره والاسم مضمر.
(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً)(٥٢)
(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ) أي يوم يبعثكم فتنبعثون ، استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما ، وأن المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء. (بِحَمْدِهِ) حال منهم أي حامدين الله تعالى على كمال قدرته كما قيل إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين عليه. (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) وتستقصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مر على قرية ، أو مدة حياتكم لما ترون من الهول.
(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(٥٤)
(وَقُلْ لِعِبادِي) يعني المؤمنين. (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الكلمة التي هي أحسن ولا يخاشنوا المشركين. (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد. (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) ظاهر العداوة.
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) تفسير ل (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار ، فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله. (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإيمان وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم. وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت. وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو.
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٥٥)
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وبأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ، وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا ، وأن يكون العراة الجوع أصحابه. (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية ، لا بكثرة الأموال والأتباع حتى داود عليهالسلام فإن شرفه بما أوحي إليه من الكتاب لا بما أوتيه من الملك. قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) تنبيه على وجه تفضيله وهو أنه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب ، أو المصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم وهو