سكناهم للأكل منها ، ولم يتعرض له ها هنا اكتفاء بذكره ثمة ، أو بدلالة الحال عليه وأما تقديم قوله قولوا على وادخلوا فلا أثر له في المعنى لأنه لا يوجب الترتيب وكذا الواو العاطفة بينهما. (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) وعد بالغفران والزيادة عليه بالإثابة ، وإنما أخرج الثاني مخرج الاستئناف للدلالة على أنه تفضل محض ليس في مقابلة ما أمروا به. وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب «تغفر» بالتاء والبناء للمفعول ، و (خَطِيئاتِكُمْ) بالجمع والرفع غير ابن عامر فإنه وحد وقرأ أبو عمرو «خطاياكم».
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) مضى تفسيره فيها.
(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(١٦٣)
(وَسْئَلْهُمْ) للتقرير والتقريع بقديم كفرهم وعصيانهم ، والإعلام بما هو من علومهم التي لا تعلم إلا بتعليم أو وحي ليكون لك ذلك معجزة عليهم. (عَنِ الْقَرْيَةِ) عن خبرها وما وقع بأهلها. (الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) قريبة منه وهي أيلة قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر ، وقيل مدين ، وقيل طبرية. (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت ، و (إِذْ) ظرف ل (كانَتْ) أو (حاضِرَةَ) أو للمضاف المحذوف أو بدل منه بدل اشتمال. (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ) ظرف ل «يعدون» أو بدل بعد بدل. وقرئ «يعدون» وأصله يعتدون ويعدون من الإعداد أي يعدون آلات الصيد يوم السبت ، وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة. (يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) يوم تعظيمهم أمر السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة. وقيل اسم لليوم والإضافة لاختصاصهم بأحكام فيه ، ويؤيد الأول إن قرئ يوم إسباتهم ، وقوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) وقرئ «لا يسبتون» من أسبت و «لا يسبتون» على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون في السبت ، و (شُرَّعاً) حال من الحيتان ومعناه ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف. (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم. وقيل كذلك متصل بما قبله أي لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السبت ، والباء متعلق ب (يَعْدُونَ).
(وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤)
(وَإِذْ قالَتْ) عطف على (إِذْ يَعْدُونَ). (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) جماعة من أهل القرية يعني صلحاءهم الذين اجتهدوا في موعظتهم حتى أيسوا من اتعاظهم. (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) مخترمهم. (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة لتماديهم في العصيان ، قالوه مبالغة في أن الوعظ لا ينفع فيهم ، أو سؤالا عن علة الوعظ ونفعه وكأنه تقاول بينهم أو قول من ارعوى عن الوعظ لمن لم يرعو منهم ، وقيل المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعاظهم ردا عليهم وتهكما بهم. (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) جواب للسؤال أي موعظتنا إنهاء عذر إلى الله حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر. وقرأ حفص (مَعْذِرَةً) بالنصب على المصدر أو العلة أي اعتذرنا به معذرة ووعظناهم معذرة. (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(١٦٦)
(فَلَمَّا نَسُوا) تركوا ترك الناسي. (ما ذُكِّرُوا بِهِ) ما ذكرهم به صلحاؤهم. (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالاعتداء ومخالفة أمر الله. (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) شديد فعيل من بؤس يبؤس بؤسا إذا