قيل كانت دراهم زيوفا وقيل صوفا وسمنا. وقيل الصنوبر والحبة الخضراء. وقيل الأقط وسويق المقل. (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) فأتمم لنا الكيل. (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة ، أو بالزيادة على ما يساويها. واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا صلىاللهعليهوسلم. (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقا ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر «هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته». لكنه اختص عرفا بما يبتغى به ثواب من الله تعالى.
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ)(٨٩)
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة. (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته ، وإنما قال ذلك تنصيحا لهم وتحريضا على التوبة ، وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريبا. وقيل أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو فيه من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك ، وإنما جهلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال ، أو لأنهم كانوا حينئذ صبيانا طياشين.
(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ)(٩١)
(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه. وقرأ ابن كثير على الإيجاب. قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به ، وقيل تبسم فعرفوه بثناياه. وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها. (قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه به ، وتفخيما لشأنه وإدخالا له في قوله : (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) أي بالسلامة والكرامة. (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) أي يتق الله. (وَيَصْبِرْ) على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي. (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر.
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة. (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) والحال أن شأننا أنا كنا مذنبين بما فعلنا معك.
(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)(٩٣)
(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) لا تأنيب عليكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإزالة كالتجليد ، فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ماء الوجه. (الْيَوْمَ) متعلق بال (تَثْرِيبَ) أو بالمقدر للجار الواقع خبرا ل (لا تَثْرِيبَ) والمعنى لا أثربكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقوله : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها. (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب ، ومن كرم يوسف عليهالسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا : إنك تدعونا بالبكرة والعشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك ، فقال إن أهل مصر كانوا ينظرون إلي بالعين الأولى ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ، ولقد شرفت بكم وعظمت في عيونهم حيث علموا أنكم اخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليهالسلام.