كأنه قال سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار ، والآية متصلة بما قبلها مقررة لكمال علمه وشموله.
(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(١١)
(لَهُ) لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب. (مُعَقِّباتٌ) ملائكة تعتقب في حفظه ، جمع معقبة من عقبه مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا ، أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها ، أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة ، أو لأن المراد بالمعقبات جماعات. وقرئ «معاقيب» جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين. (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر. (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له ، أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحواله من أجل أمر الله تعالى. وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء. وقيل من أمر الله صفة ثانية ل (مُعَقِّباتٌ). وقيل المعقبات الحرس والجلاوزة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء الله تعالى. (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من العافية والنعمة. (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) فلا راد له فالعامل في (إِذا) ما دل عليه الجواب. (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) ممن يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء ، وفيه دليل على أن خلاف مراد الله تعالى محال.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ)(١٣)
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) من أذاه. (وَطَمَعاً) في الغيث وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف ، أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإخافة والإطماع ، أو الحال من (الْبَرْقَ) أو المخاطبين على إضمار ذو ، أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة. وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه. (وَيُنْشِئُ السَّحابَ) الغيم المنسحب في الهواء. (الثِّقالَ) وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع.
(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ) ويسبح سامعوه. (بِحَمْدِهِ) ملتبسين به فيضجون بسبحان الله والحمد لله ، أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله وكمال قدرته ملتبسا بالدلالة على فضله ونزول رحمته. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الرعد فقال : «ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب». (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) من خوف الله تعالى وإجلاله وقيل الضمير ل (الرَّعْدُ). (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) فيهلكه. (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) حيث يكذبون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم ، والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل ، والواو إما لعطف الجملة على الجملة أو للحال فإنه روي أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاصدين لقتله ، فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف ، فتنبه له رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة فقتلته ، ورمى عامرا بغدة فمات في بيت سلولية ، وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ، فنزلت. (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) المماحلة المكايدة لأعدائه ، من محل فلان بفلان إذا كايده وعرضه للهلاك ، ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ،