اشتد. وقرأ أبو بكر (بَئِيسٍ) على فيعل كضيغم ، وابن عامر «بئس» بكسر الباء وسكون الهمز على أنه بئس كحذر ، كما قرئ به فخفف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ككبد في كبد ، وقرأ نافع «بيس» على قلب الهمزة ياء كما قلبت في ذئب أو على أنه فعل الذم وصف به فجعل اسما ، وقرئ «بيس» كريس على قلب الهمزة ثم ادغامها و «بيس» بالتخفيف كهين و «بائس» كفاعل. (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم.
(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) تكبروا عن ترك ما نهوا عنه كقوله تعالى : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ). (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذبهم أولا بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك فمسخهم ، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى. روي : أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم ، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق ، فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا : إن لهم شأنا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسباءهم ولكن القردة تعرفهم ، فجعلت تأتي أنسباءهم وتشم ثيابهم وتدور باكية حولهم ثم ماتوا بعد ثلاث.
وعن مجاهد مسخت قلوبهم لا أبدانهم.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(١٦٨)
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أي أعلم تفعل من الإيذان بمعناه كالتوعد والإيعاد ، أو عزم لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله وأجري مجرى فعل القسم ك (عَلِمَ اللهُ) و (شَهِدَ اللهُ). ولذلك أجيب بجوابه وهو : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) والمعنى وإذ أوجب ربك على نفسه ليسلطن على اليهود. (مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) كالإذلال وضرب الجزية ، بعث الله عليهم بعد سليمان عليهالسلام بختنصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم ، وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر. (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) عاقبهم في الدنيا. (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وآمن.
(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) وفرقناهم فيها بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمة لأدبارهم حتى لا يكون لهم شوكة قط و (أُمَماً) مفعول ثان أو حال. (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) صفة أو بدل منه وهم الذين آمنوا بالمدينة ونظراؤهم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) تقديره ومنهم أناس من دون ذلك أي منحطون عن الصلاح ، وهم كفرتهم وفسقتهم. (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) بالنعم والنقم. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ينهون فيرجعون عما كانوا عليه.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(١٧٠)
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد المذكورين. (فَخَلَفَ) بدل سوء مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع. وقيل جمع وهو شائع في الشر والخلف بالفتح في الخير والمراد به الذين كانوا في عصر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم (وَرِثُوا الْكِتابَ) التوراة من أسلافهم يقرءونها ويقفون على ما فيها ... (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) حطام هذا الشيء الأدنى يعني الدنيا ، وهو من الدنو أو الدناءة وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في