من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح. (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) بقدرته البالغة ، فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء. (إِنَّهُ عَزِيزٌ) تام القدرة والغلبة لا يعصى عليه ما يريده. (حَكِيمٌ) يعلم أنه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده ، وقيل الآية في الأوس والخزرج كان بينهم محن لا أمد لها ووقائع هلكت فيها ساداتهم ، فأنساهم الله ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافوا وصاروا أنصارا.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٦٤)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) كافيك. (وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إما في محل النصب على المفعول معه كقوله :
إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا |
|
فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد |
أو الجر عطفا على المكني عند الكوفيين ، أو الرفع عطفا على اسم الله تعالى أي كفاك الله والمؤمنون. والآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر ، وقيل أسلم مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، ثم أسلم عمر رضي الله عنه فنزلت. ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في إسلامه.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٦٦)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) بالغ في حثهم عليه ، وأصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفي على الموت وقرئ «حرص» من الحرص. (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة ، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر «تكن» بالتاء في الآيتين ووافقهم البصريان في وإن تكن منكم مائة. (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثياب المؤمنين رجاء الثواب وعوالي الدرجات قتلوا أو قتلوا ولا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان.
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة والثبات لهم وثقل ذلك عليهم خفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين ، وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك ثم لما كثروا خفف عنهم ، وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد والضعف ضعف البدن. وقيل ضعف البصيرة وكانوا متفاوتين فيها ، وفيه لغتان الفتح وهو قراءة عاصم وحمزة والضم وهو قراءة الباقين. (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون.
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٦٧)
(ما كانَ لِنَبِيٍ) وقرئ «للنبي» على العهد. (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) وقرأ البصريان بالتاء. (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولي أهله ، من أثخنه المرض إذا