بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو (مَنْ خَلْفَهُمْ) ، أو (الَّذِينَ كَفَرُوا) والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار ، أو على تقدير أن (سَبَقُوا) وهو ضعيف لأن أن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على إيقاع الفعل على (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) بالفتح على قراءة ابن عامر وأن (لا) صلة و (سَبَقُوا) حال بمعنى سابقين أي مفلتين ، والأظهر أنه تعليل للنهي أي : لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا لأنهم لا يفوتون الله ، أو لا يجدون طالبهم عاجزا. عن إدراكهم وكذا إن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف ، ولعل الآية إزاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو ، وقيل نزلت فيمن أفلت من فل المشركين.
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٦١)
(وَأَعِدُّوا) أيها المؤمنون (لَهُمْ) لناقضي العهد أو الكفار. (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) من كل ما يتقوى به في الحرب. وعن عقبة بن عامر سمعته عليه الصلاة والسلام يقول على المنبر «ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثا» ولعله عليه الصلاة والسلام خصه بالذكر لأنه أقواه. (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ، فعال بمعنى مفعول أو مصدر سمي به يقال ربط ربطا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا ، أو جمع ربيط كفصيل وفصال. وقرئ «ربط الخيل» بضم الباء وسكونها جمع رباط وعطفها على القوة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة. (تُرْهِبُونَ بِهِ) تخوفون به ، وعن يعقوب (تُرْهِبُونَ) بالتشديد والضمير ل (مَا اسْتَطَعْتُمْ) أو للإعداد. (عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) يعني كفار مكة. (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) من غيرهم من الكفرة. قيل هم اليهود وقيل المنافقون وقيل الفرس. (لا تَعْلَمُونَهُمُ) لا تعرفونهم بأعيانهم. (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) يعرفهم. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) جزاؤه. (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) بتضييع العمل أو نقص الثواب.
(وَإِنْ جَنَحُوا) مالوا ومنه الجناح. وقد يعدى باللام وإلى. (لِلسَّلْمِ) للصلح أو الاستسلام. وقرأ أبو بكر بالكسر. (فَاجْنَحْ لَها) وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه. قال :
السّلم تأخذ منها ما رضيت به |
|
والحرب يكفيك من أنفاسها جرع |
وقرئ «فاجنح» بالضم. (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه ، فإن الله يعصمك من مكرهم ويحيقه. بهم. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم. (الْعَلِيمُ) بنياتهم. والآية مخصوصة بأهل الكتاب لاتصالها بقصتهم وقيل عامة نسختها آية السيف.
(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٦٣)
(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) فإن محسبك الله وكافيك قال جرير :
إنّي وجدت من المكارم حسبكم |
|
أن تلبسوا حرّ الثياب وتشبعوا |
(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) جميعا.
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء ، والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا كنفس واحدة ، وهذا من معجزاته صلىاللهعليهوسلم ، وبيانه : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي تناهى عداوتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض