وقيل هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق ، وتقييد العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر فإنه أيضا عبد الله وبسلب القدرة للتمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيما للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك ، والأظهر أن (مَنْ) نكرة موصوفة ليطابق (عَبْداً) ، وجمع الضمير في (يَسْتَوُونَ) لأنه للجنسين فإن المعنى هل يستوي الأحرار والعبيد؟. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) كل الحمد له ، لا يستحقه غيره فضلا عن العبادة لأنه مولى النعم كلها. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فيضيفون نعمه إلى غيره ويعبدونه لأجلها.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٧٦)
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم. (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) من الصنائع والتدابير لنقصان عقله. (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) عيال وثقل على من يلي أمره. (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) حيثما يرسله مولاه في أمر ، وقرئ «يوجه» على البناء للمفعول و «يوجه» بمعنى يتوجه كقوله أينما أوجه ألق سعدا «وتوجه» بلفظ الماضي. (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) بنجح وكفاية مهم. (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) ومن هو فهم منطيق ذو كفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل. (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو في نفسه على طريق مستقيم لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي ، وإنما قابل تلك الصفات بهذين الوصفين لأنهما كمال ما يقابلهما ، وهذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام لإبطال المشاركة بينه وبينها أو للمؤمن والكافر.
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٧٨)
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يختص به علمه لا يعلمه غيره ، وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوسا ولم يدل عليه محسوس. وقيل يوم القيامة فإن علمه غائب عن أهل السموات والأرض. (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته. (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها. (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآن الذي تبتدئ فيه ، فإنه تعالى يحيي الخلائق دفعة وما يوجد دفعة كان في آن ، و (أَوْ) للتخيير أو بمعنى بل. وقيل معناه أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجا ، ثم دل على قدرته فقال : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) وقرأ الكسائي بكسر الهمزة على أنه لغة أو اتباع لما قبلها ، أو حمزة بكسرها وكسر الميم والهاء مزيدة مثلها في إهراق. (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) جهالا مستصحبين جهل الجمادية. (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزئيات الأشياء فتدركونها ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرر الإحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية ، وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه.
(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٧٩)