واقعة موقع الجواب كأنه قيل : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق ، على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه. (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) حيث يتخذون له شركاء ، فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله ، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعد ما أنعم الله عليهم بإيضاحها ، والباء لتضمن الجحود معنى الكفر. وقرأ أبو بكر «تجحدون» بالتاء لقوله : (خَلَقَكُمْ) و (فَضَّلَ بَعْضَكُمْ).
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)(٧٢)
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي من جنسكم لتأنسوا بها ولتكون أولادكم مثلكم. وقيل هو خلق حواء من آدم. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) وأولاد أولاد أو بنات ، فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة. وقيل هم الأختان على البنات. وقيل الربائب ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين. (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من اللذائذ أو الحلالات و (مِنْ) للتبعيض فإن المرزوق في الدنيا أنموذج منها. (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهو أن الأصنام تنفعهم ، أو أن من الطيبات ما يحرم كالبحائر والسوائب. (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام ، أو حرموا ما أحل الله لهم ، وتقديم الصلة على الفعل إما للاهتمام أو لإيهام التخصيص مبالغة ، أو للمحافظة على الفواصل.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ)(٧٣)
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) من مطر ونبات ، و (رِزْقاً) إن جعلته مصدرا فشيئا منصوب به وإلا فبدل منه. (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) أن يتملكوه أو لا استطاعة لهم أصلا ، وجمع الضمير فيه وتوحيده في (لا يَمْلِكُ) لأن (ما) مفرد في معنى الألهة ، ويجوز أن يعود إلى الكفار أي ولا يستطيع هؤلاء مع أنهم أحياء متصرفون شيئا من ذلك فكيف بالجماد.
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٧٥)
(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) فلا تجعلوا له مثلا تشركونه به ، أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال. (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) فساد ما تعولون عليه من القياس على أن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون. (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك ولو علمتموه لما جرأتم عليه فهو تعليل للنهي ، أو أنه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه فدعوا رأيكم دون نصه ، ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال فإنه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون. ثم علمهم كيف يضرب فضرب مثلا لنفسه ولمن عبد دونه فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) مثل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرف رأسا ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله مالا كثيرا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء ، واحتج بامتناع الاشتراك والتسوية بينهما مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغني القادر على الإطلاق.