يصيحون. وقال الضحاك : يعجّون. وقال قتادة : يجزعون ، وقال القرظيّ (١) : يضجرون. وقيل : الضّم من الصّدود (٢) وهو الإعراض وقد أنكر ابن عبّاس الضم ، وقد روي له عن علي ـ رضي الله عنه ـ. وهذا والله أعلم ـ قبل بلوغه تواتره (٣).
قوله تعالى : (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ) قرأ أهل الكوفة بتحقيق الهمزة الثانية والباقون (٤) بتسهيلها بين بين. ولم يدخل أحد من القراء الذين من قاعدتهم الفصل بين الهمزتين بألف ألفا كراهة لتوالي أربع متشابهات. وأبدل الجميع الهمزة الثانية ألفا ، ولا بد من زيادة بيان ، وذلك أن آلهة جمع إله كعماد ، وأعمدة ، فالأصل أألهة ، بهمزتين الأولى زائدة ، والثانية فاء الكلمة ، وقعت الثانية ساكنة بعد مفتوحة فوجب قلبها ألفا «كآمن (٥) وبابه (٦)» ، ثم دخلت همزة الاستفهام على الكل فالتقى همزتان في اللفظ ، الأولى للاستفهام ، والثانية همزة «أفعلة» فالكوفيون لم يعتدوا باجتماعهما ، فأبقوهما على ما لهما ، وغيرهم استثقل فخفف الثانية بالتسهيل بين بين ، والثالثة ألف محضة لم تغير البتّة (٧). وأكثر أهل العصر يقرأون هذا الحرف بهمزة واحدة بعدها ألف على لفظ الخبر ولم يقرأ به أحد من السبعة فيما علمنا إلا أنه قد روي أن ورشا قرأ كذلك في رواية أبي الأزهر (٨) وهي تحتمل الاستفهام كالعامة. وإنما حذف أداة الاستفهام لدلالة أم عليها ، وهو كثير (٩). ويحتمل أنه قرأة خبرا محضا وحينئذ تكون أم منقطعة تقدر ببل (١٠) والهمزة وأما الجماعة فهي عندهم متصلة (١١). فقوله : «أم هو» على قراءة العامة عطف على (آلِهَتُنا خَيْرٌ) وهو من عطف المفردات ، والتقدير : أآلهتنا أم هو خير؟ أي أيهما خير؟ وعلى قراءة ورش يكون هو
__________________
(١) في النسختين القرطبي وهو خطأ مكرر كالعادة. والأصح ما أثبت أعلى وهو الإمام محمد بن كعب القرظيّ. وانظر هذه الأقوال في القرطبي ١٦ / ١٠٣.
(٢) وهو قول قطرب المرجع السابق.
(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٥.
(٤) وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ورويس. وانظر الإتحاف ٣٨٦ ، والسبعة ٥٨٧ وإبراز المعاني ٦٨٠.
(٥) فأصله أأمن.
(٦) إيمان وأوثر ونحوهما.
(٧) انظر هذا في الكشف ٢ / ٢٦٠ و ٢٦١ وشرح الشافية للإمام الرضي ٣ / ٥٣ و ٥٤.
(٨) هو عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة أبو الأزهر العتقي المصريّ صاحب الإمام مالك راو مشهور بالقراءة متصدر ثقة ، أخذ القراءة عرضا عن ورش مات في رجب ٢٣١ انظر غاية النهاية لابن الجزري ١ / ٣٨٩ وقد ذكر هذه القراءة ابن مجاهد في السبعة عن أحمد بن صالح عن قالون عن نافع كما نقل : وقال أحمد بن صالح : بلغني عن ورش أنه كان يقرأها بغير استفهام.
انظر السبعة ٥٨٨.
(٩) الكشاف ٣ / ٤٩٣.
(١٠) البحر المحيط ٨ / ٢٥ والدر المصون ٤ / ٧٩٦.
(١١) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥٤ والمرجع السابق.