التقيّد ـ ينصبغ عند وروده
ـ كما مرّ ـ بحكم نشأة المتجلّى له وحاله ووقته وموطنه ومرتبته والصفة الغالب
حكمها عليه ، فيكون إدراكه لما تضمّنه التجلّيات بحسب القيود المذكورة وحكمها فيه.
وفي الانسلاخ عن
هذه الأحكام ونحوها يتفاوت المشاهدون مع استحالة رفع أحكامها بالكلّيّة ، لكن يقوى
ويضعف ، كما ذكرته في مسألة قهر أحديّة التجلّي أحكام الكثرة النسبيّة.
وبمقدار إطلاق
صاحب هذا العلم في توجّهه وسعة دائرة مرتبته وانسلاخه عن قيود الأحكام بغلبة صفة
أحديّة الجمع ، يعظم إدراكه ومعرفته وإحاطته بما انسحب عليه حكم هذا التجلّي من
المراتب التي هي تحت حيطته ، ويصير حكم علمه بالأشياء ـ التي علمها من هذا الوجه
بهذا الطريق ـ حكم الحقّ سبحانه في علمه الأحدي الأصل والمرتبة ، كما سبق التنبيه
عليه في المتن والحاشية ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ
إِلَّا بِما شاءَ) فافهم.
لكن تبقى ثمّة
فروق أخر أيضا ، كالقدم والإحاطة وغيرهما تعرفها ـ إن شاء الله تعالى ـ إذا وقفت
على سرّ مراتب التمييز الثابت بين الحقّ والخلق عن قريب.
ثم نقول : فهذا
العلم الحاصل على هذا النحو هو الكشف الأوضح الأكمل الذي لا ريب فيه ولا شكّ
يداخله ، ولا يطرق إليه احتمال ولا تأويل ، ولا يكتسب بعلم ولا عمل ولا سعي ولا
تعمّل ، ولا يتوسّل إلى نيله ولا يستعان في تحصيله بتوسّط قوىّ روحانيّة نفسانيّة أو بدنيّة
مزاجيّة ، أو إمداد أرواح علويّة ، أو قوى وأشخاص سماويّة أو أرضيّة ، أو شيء غير
الحقّ.
والمحصّل له
والفائز به أعلى العلماء مرتبة في العلم ، وهو العلم الحقيقي ، والمتجلّي به هو
مظهر التجلّي النوري وصاحب الذوق الجمعي الأحدي وما سواه ـ ممّا يسمّى علما عند
أكثر العالم وكثير من أهل الأذواق ـ فإنّما هو أحكام العلم في مراتبه التفصيليّة
وآثاره من
__________________