التقيّد (١) ـ ينصبغ عند وروده ـ كما مرّ ـ بحكم نشأة المتجلّى له وحاله ووقته وموطنه ومرتبته والصفة الغالب حكمها عليه ، فيكون إدراكه لما تضمّنه (٢) التجلّيات بحسب القيود المذكورة وحكمها فيه.
وفي الانسلاخ عن هذه الأحكام ونحوها يتفاوت المشاهدون مع استحالة رفع أحكامها بالكلّيّة ، لكن يقوى ويضعف ، كما ذكرته في مسألة قهر أحديّة التجلّي أحكام الكثرة النسبيّة.
وبمقدار إطلاق صاحب هذا العلم في توجّهه وسعة دائرة مرتبته وانسلاخه عن قيود الأحكام بغلبة صفة أحديّة الجمع ، يعظم إدراكه ومعرفته وإحاطته بما انسحب عليه حكم هذا التجلّي من المراتب التي هي تحت حيطته ، ويصير حكم علمه بالأشياء ـ التي علمها من هذا الوجه بهذا الطريق ـ حكم الحقّ سبحانه في علمه الأحدي الأصل والمرتبة ، كما سبق التنبيه عليه في المتن والحاشية ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) (٣) فافهم.
لكن تبقى ثمّة فروق أخر أيضا ، كالقدم والإحاطة وغيرهما تعرفها ـ إن شاء الله تعالى ـ إذا وقفت على سرّ مراتب التمييز الثابت بين الحقّ والخلق عن قريب.
ثم نقول : فهذا العلم الحاصل على هذا النحو هو الكشف الأوضح الأكمل الذي لا ريب فيه ولا شكّ يداخله ، ولا يطرق إليه احتمال ولا تأويل ، ولا يكتسب بعلم ولا عمل ولا سعي ولا تعمّل ، ولا يتوسّل إلى نيله ولا يستعان (٤) في تحصيله بتوسّط قوىّ روحانيّة نفسانيّة أو بدنيّة مزاجيّة ، أو إمداد أرواح علويّة ، أو قوى وأشخاص سماويّة أو أرضيّة ، أو شيء غير الحقّ.
والمحصّل له والفائز به أعلى العلماء مرتبة في العلم ، وهو العلم الحقيقي ، والمتجلّي به هو مظهر التجلّي النوري وصاحب الذوق الجمعي الأحدي وما سواه ـ ممّا يسمّى علما عند أكثر العالم وكثير من أهل الأذواق ـ فإنّما هو أحكام العلم في مراتبه التفصيليّة وآثاره من
__________________
(١) ق : التقييد.
(٢) ق : تضمّنته.
(٣) البقرة (٢) الآية ٢٥٥.
(٤) ق : تسعان.