لكن للواحد
والوحدة نسب متعدّدة ، وللكثرة أحديّة ثابتة ، فمتى ارتبطت إحداهما بالأخرى ، أو
أثّرت ، فبالجامع المذكور.
وصورته فيما نروم
بيانه : أنّ للواحد حكمين : أحدهما : كونه واحدا لنفسه فحسب من غير تعقّل أنّ
الوحدة صفة له ، أو اسم ، أو نعت ، أو حكم ثابت ، أو عارض ، أو لازم ، بل بمعنى
كونه هو لنفسه هو ، وليس بين الغيب المطلق الذي هو الهويّة وبين هذا التعيّن
الاسمي الأحدي فرق غير نفس التعيّن ، كما أنّه ليس لشيء في هذا الغيب تعيّن ، ولا
تعدّد وجودي فيكون الحقّ ظرفا لغيره ، تعالت أحديّته عن ذلك.
ثم نقول : والحكم
الآخر من الحكمين المضافين إلى الواحد هو كونه يعلم نفسه بنفسه ، ويعلم أنّه يعلم
ذلك ، ويعلم وحدته ومرتبته ، وكون الوحدة نسبة ثابتة له ، أو حكما ، أو لازما ، أو صفة لا يشارك فيها ،
ولا تصحّ لسواه. وهذه النسبة هي حكم الواحد من حيث نسبته .
ومن هنا أيضا يعلم
نسبة الغنى عن التعلّق بالعالم ، ونسبة التعلّق به المذكور من قبل ، ومن هذه
النسبة انتشت الكثرة من الواحد بموجب هذا التعدّد النسبي الثابت ، من
حيث إنّ معقوليّة نسبة كونه يعلم نفسه بنفسه ، وكونه واحدا لذاته لا شريك له في وجوده مغايرة لحكم الوحدة الصرفة ، فالتعدّد
بالكثرة النسبيّة أظهر التعدّد العيني .
وهذان الحكمان
اللازمان للواحد مسبوقان بالغيب الذاتي المجهول النعت الذي لا يصحّ عليه حكم مخصوص
، ولا تتعيّن له ـ كما قلنا ـ صفة مميّزة من وحدة أو كثرة أو غيرهما.
وحكم الوحدة
بالنسبة إلى العدد هو كونها من شأنها أن يعدّ بها ، وأن تظهر العدد ، لا أنّها منه
، والاثنينيّة علّة للعدد أيضا ، ولكنّها كالعلّة الماديّة ، والثلاثة أوّل العدد التامّ ، وأوّل كثرته ،
وأوّل تركيباته ، فافهم.
وإذ قد نبّهنا على
مرتبة الوحدة بهذه الإشارة الوجيزة ، فلننبّه أيضا على مرتبة الكثرة
__________________