واعلم أنه ـ تعالى ـ أجاب عن هذه [الشّبهة](١) من ثلاثة أوجه :
الأول : قوله : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) ومعناه : أن الحذر لا يدفع القدر ، فالذين قدّر الله عليهم القتل ، لا بدّ وأن يقتلوا على كل تقدير ؛ لأنّ الله تعالى لما أخبره أنه يقتل ، فلو لم يقتل ، لانقلب علمه جهلا.
وقال المفسّرون : لو جلستم في بيوتكم لخرج منكم من كتب الله عليهم القتل إلى مضاجعهم ومصارعهم ، حتى يوجد ما علم الله أنه يوجد وقيل : تقدير الكلام : كأنه قيل للمنافقين : لو جلستم في بيوتكم ، وتخلّفتم عن الجهاد ، لخرج المؤمنون الذين كتب عليهم قتال الكفار إلى مضاجعهم ، ولم يتخلّفوا عن هذه الطاعة بسبب تخلّفكم.
قوله : (لَبَرَزَ) جاء على الأفصح ، وهو ثبوت اللام في جواب «لو» مثبتا. وقراءة الجمهور (لَبَرَزَ) مخفّفا مبنيا للفاعل ، وقرأ أبو حيوة «لبرّز» مشدّدا ، مبنيّا للمفعول (٢) ، عدّاه بالتضعيف. وقرىء «كتب» مبنيا للفاعل (٣) ، و «القتل» مفعول به.
وقرأ الحسن كتب عليهم القتال رفعا (٤).
الجواب الثاني عن هذه الشّبهة قوله : «وليبتلي» فيه خمسة أوجه :
فقيل : إنه متعلق بفعل قبله ، وتقديره : فرض الله عليكم القتال ، ولم ينصركم يوم أحد ، ليبتلي ما في صدوركم ، أي : ضمائركم.
وقيل : بفعل بعده ، أي : ليبتلي فعل هذه الأشياء.
وقيل : الواو زائدة ، واللام متعلقة بما قبلها.
وقيل : «وليبتلي» عطف على «ليبتلي» الأول وإنما كرّرت لطول الكلام ، فعطف عليه (وَلِيُمَحِّصَ) قاله ابن بحر.
وقيل : هو عطف على علة محذوفة تقديره : ليقضي الله أمره وليبتلي.
الجواب الثالث عن هذه الشّبهة قوله : (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : أن هذه الواقعة تخرج ما في قلوبكم من الوساوس والشبهات ، وتطهرها.
الثاني : أنها تصيره كفّارة لذنوبكم ، فتمحصكم عن تبعات المعاصي والسيئات.
فإن قيل : قد سبق ذكر الابتلاء في قوله : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) [آل عمران : ١٥٢] فلم أعاده؟
__________________
(١) في أ : الآية.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٢٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٩٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٤٠.
(٣) انظر : البحر المحيط ٣ / ٩٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٤٠.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٢٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٩٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٤٠.