وعلى هذا الذي ذكره يكون «كذلك» متعلقا بمحذوف ، و «الله يفعل» جملة منعقدة مع مبتدأ وخبر.
قوله : (اجْعَلْ لِي آيَةً) يجوز أن يكون الجعل بمعنى التصيير ، فيتعدى لاثنين : أولهما «آية» ، الثاني : الجار قبله ، والتقديم ـ هنا ـ واجب ؛ لأنه لا مسوغ للابتداء بهذه النكرة ـ وهي آية ـ أي : لو انحلت إلى مبتدأ وخبر إلا تقدم هذا الجار ، وحكمها بعد دخول الناسخ حكمها قبله ، والتقدير : صير آية من الآيات لي ، ويجوز أن يكون بمعنى الخلق والإيجاد ـ أي : أوجد لي آية ـ فيتعدى لواحد ، وفي «لي» ـ على هذا ـ وجهان :
أحدهما : أن يتعلق بالجعل.
والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «آية» ؛ لأنه لو تأخّر لجاز أن يقع صفة لها. ويجوز أن يكون للبيان.
وحرك الياء ـ بالفتح (١) ـ نافع وأبو عمرو ، وسكنها الباقون.
فصل
المراد بالآية : العلامة ، أي : علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي ، فأزيد في العبادة شكرا لذلك ، وذكروا في الآية وجوها :
أحدها : أنه ـ تعالى ـ حبس لسانه ثلاثة أيام ، فلم يقدر أن يكلم الناس إلا رمزا ؛ وهو قول أكثر المفسّرين ، وفيه فائدتان :
إحداهما : أن يكون ذلك دليلا على علوق الولد.
والثانية : أنه تعالى ـ حبس لسانه عن أمور الدنيا ، وأقدره على الذكر ، والتسبيح ، والتهليل ، فيكون في تلك المدة مشتغلا بذكر الله ـ تعالى ـ وبالطاعة وبالشكر على تلك النعمة.
واعلم أن اشتمال تلك الواقعة على المعجزة من وجوه :
أحدها : أن قدرته على التكلّم بالتسبيح والذكر ، وعجزه عن الكلام بأمور الدنيا من أعظم المعجزات.
وثانيها : أن حصول تلك المعجزة في تلك الأيام المقدرة ـ مع حصول البنية واعتدال المزاج ـ معجزة ظاهرة.
ثالثها : أن إخباره بأنه متى حصلت هذه الحالة ، فقد حصل الولد ، ثمّ إنّ الأمر خرج على وفق هذا الخبر.
__________________
(١) انظر : السبعة ١٥١ ، والدر المصون ٢ / ٨٨.