وقال مكيّ (١) : «ولا تتعلق الباء ب «نزّل» ؛ لأنه قد تعدى إلى مفعولين ـ أحدهما بحرف فلا يتعدى إلى ثالث».
وهذا ـ الذي ذكره مكيّ ـ غير ظاهر ؛ فإن الفعل يتعدى إلى متعلقاته بحروف مختلفة على حسب ما يكون ، وقد تقدم أن معنى الباء السببية ، فأيّ مانع يمنع من ذلك؟
قوله : (مُصَدِّقاً) فيه أوجه :
أحدها : أن ينتصب على الحال من «الكتاب». فإن قيل بأن قوله : «بالحقّ» حال ، كانت هذه حالا ثانية عند من يجيز تعدد الحال ، وإن لم يقل بذلك كانت حالا أولى.
الثاني : أن ينتصب على الحال على سبيل البدلية من محل «بالحق» ، وذلك عند من يمنع تعدد الحال في غير عطف ، ولا بدليّة.
الثالث : أن ينتصب على الحال من الضمير المستكن في «بالحقّ» ـ إذا جعلناه حالا ـ لأنه حينئذ يتحمل ضميرا ؛ لقيامه مقام الحال التي تتحمله ، وعلى هذه الأقوال كلّها فهي حال مؤكّدة ؛ لأن الانتقال فيها غير متصوّر ، وذلك نظير قول الشاعر : [البسيط]
١٣١٧ ـ أنا ابن دارة معروفا بها نسبي |
|
وهل بدارة ـ يا للنّاس ـ من عار (٢) |
قوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) مفعول ل «مصدّقا» وزيدت اللام في المفعول : [تقوية] للعامل ؛ لأنه فرع له ؛ إذ هو اسم فاعل ، كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج : ١٦] ، وإنما ادّعينا ذلك ؛ لأنّ هذه المادة متعدية بنفسها.
فصل في تفسير «الحي» و «القيوم»
الحيّ : هو الفعّال الدرّاك ، والقيّوم : هو القائم بذاته ، والقائم بتدبير الخلق ، وقرأ عمر ـ رضي الله عنه ـ الحي القيّام (٣) ، والمراد ب «الكتاب» ـ هنا ـ هو القرآن.
قال الزمخشري : «وخص القرآن بالتنزيل ، والتوراة والإنجيل بالإنزال ؛ لأن التنزيل للتكثير والله تعالى نزّل القرآن منجّما ، فكان معنى التكثير حاصلا فيه ، وأنزل التوراة والإنجيل دفعة واحدة ، فلهذا خصّهما بالإنزال».
فإن قيل : يشكل هذا بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) [الكهف : ١] ، وبقوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء : ١٠٥].
فالجواب : أن المراد به كلّ نجم وحده.
[وسمي الكل باسم البعض مجازا ، أو نقول : «إن أنزل تشتمل على أمرين والتضعيف لا يشتمل إلّا الإنزال مرة واحدة».
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ١٢٤.
(٢) تقدم برقم ٦٦٤.
(٣) وكذا قرأ ابن مسعود أخرجه عنه سعيد بن منصور والطبراني كما في «الدر المنثور» (٢ / ٥).