فصل
وجه النظم : قال محمد بن كعب القرظيّ : لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى المدينة من أحد ـ وقد أصابهم ما أصابهم ـ قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا ، وقد وعدنا الله بالنصر؟ فأنزل الله هذه الآية ؛ لأنّ النصر كان للمسلمين في الابتداء (١).
وقيل : كان النبي صلىاللهعليهوسلم رأى في المنام أنه يذبح كبشا ، فصدق الله رؤياه بقتل طلحة بن عثمان ـ صاحب لواء المشركين يوم أحد ـ وقتل بعده تسعة نفر على اللواء ، فذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) يريد : تصديق الرسول صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقيل : يجوز أن يكون هذا الوعد ما ذكره في قوله تعالى : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ) [آل عمران ١٢٥] إلا أن هذا مشروطا بشرط الصبر والتقوى.
وقيل : يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) [آل عمران : ١٥١].
وقيل : الوعد هو قول النبي صلىاللهعليهوسلم للرّماة : لا تبرحوا عن هذا المكان ؛ فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان.
قال أبو مسلم : لما وعدهم الله ـ تعالى ـ في الآية المتقدمة ـ بإلقاء الرعب في قلوب الكفار ، أكد ذلك بأن ذكرهم ما أنجزهم من الوعد بالصبر في واقعة أحد ، فإنه لما وعدهم بالنصر ـ بشرط أن يتقوا ويصبروا فحين أتوا بذلك الشرط ، وفى الله تعالى لهم بالمشروط.
فصل
قد تقدم في قصة أحد ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم جعل أحدا خلف ظهره ، واستقبل المدينة ، وأقام الرماة عند الجبل ، وأمرهم أن يثبتوا هناك ، ولا يبرحوا ـ سواء كانت النّصرة للمسلمين أو عليهم ـ فلما أقبل المشركون جعل الرّماة يرشقون خيلها ، والباقون يضربونهم بالسيوف ، حتّى انهزموا ، والمسلمون على آثارهم يحسونهم ، أي : يقتلونهم قتلا كثيرا.
قوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) في «حتّى» قولان :
أحدهما : أنها حرف جر بمعنى «إلى» وفي متعلقها ـ حينئذ ـ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب «تحسّونهم» أي : تقتلونهم إلى هذا الوقت.
الثاني : أنها متعلقة ب «صدقكم» وهو ظاهر قول الزمخشريّ ، قال : «ويجوز أن يكون المعنى : صدقكم الله وعده إلى وقت فشلكم».
__________________
(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٢٩.
(٢) انظر المصدر السابق.