وروى الكسائيّ : الإمالة في (وَسارِعُوا ،) و (أُولئِكَ يُسارِعُونَ) [المؤمنون : ٦١] ، و (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) [المؤمنون : ٦٥] وذلك لمكان الراء المكسورة.
قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ) صفة ل «مغفرة» ، و «من» للابتداء مجازا.
فصل
قال بعضهم : في الكلام حذف ، والتقدير : وسارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم.
وفيه نظر ؛ لأن الموجب للمغفرة ، ليس إلا أفعال المأمورات ، وترك المنهيات ، فكان هذا أمرا بالمسارعة إلى فعل المأمورات ، وترك المنهيات.
وتمسك كثير من الأصوليين بهذه الآية ، في أن ظاهر الأمر يوجب الفور (١) ؛ لأنه
__________________
(١) اختلفت آراء العلماء فيما يقتضيه الأمر المجرد عن القرائن ، هل يقتضي الفور أو التراخي؟ وقد انعكس هذا الاختلاف فيما بينهم إلى اختلافهم في كثير من الأحكام الفقهية المستنبطة.
إن إفادة الأمر للفور تقتضي أن يمتثل المكلّف لهذا الأمر ، دون تأخير عند سماعه الأمر وعدم المانع ، فإذا تأخر دون عذر ، لم تبرأ ذمته.
أما إفادته التراخي ، فهي تقتضي أنه ليس واجبا على المكلف المبادرة لأداء الأمر فورا ، بل له أن يؤخّره إلى وقت آخر ، إذا ظن القدرة على أدائه في ذلك الوقت.
وقد اختلفت آراء العلماء في ذلك إلى مذاهب ، سنذكرها فيما يلي : فالذين ذهبوا إلى أنّ صيغة الأمر للتكرار قالوا : إن الأمر يدل على الفور ؛ فيلزم من دلالته على التكرار بذاتها دلالتها على الفور.
والذين ذهبوا إلى أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن لا تدل على التكرار بذاتها ، اختلفوا فيما بينهم إلى فرق ومذاهب متعددة. المذهب الأول : وهو رأي الجمهور من الشافعية ، والحنفية ، وأتباعهم ، واختاره سيف الدين الآمدي ، وابن الحاجب ، والإمام الرازي ، والقاضي البيضاوي ؛ حيث قالوا : إن صيغة الأمر لا تدل على الفور ، وهو طلب الإتيان وامتثال الفعل عقب ورود الأمر ، ولا على التراخي ؛ إنما صيغة الأمر موضوعة لطلب الفعل ، وإيجاد حقيقته في الوجود الخارجي ، فهي ـ إذا ـ لمطلق الطلب من غير تقييد بفور أو تراخ.
المذهب الثاني : ويعزى إلى بعض المالكية ، والحنابلة ، والحنفية ؛ حيث ذهبوا إلى القول بأنه يدلّ على الفور ، وهو امتثال الفعل في أول أوقات الإمكان من غير تراخ.
قال القرافي : وهو عند مالك للفور ، وعند الحنفية خلافا لأصحابنا المغاربة والشافعية وقال القاضي عبد الوهاب : إنه للفور.
المذهب الثالث : وينسب للقاضي أبي بكر الباقلاني ؛ حيث ذهب إلى أن الأمر يدل على الفور ، فيجب الفعل في أول الوقت ، أو العزم على الإتيان به في ثاني الحال.
المذهب الرابع : وإليه ذهب الإمام الجويني ؛ حيث توقف عن القول بالفور أو التراخي.
قال الجويني : فيمتثل المأمور بكل من الفور والتراخي لعدم رجحان أحدهما على الآخر مع التوقف في إثمه بالتراخي لا بالفور ؛ لعدم احتمال وجوب التراخي.
والذي نختاره من هذه المذاهب : هو مذهب الجمهور ، والذي يرى أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن لا تدلّ على الفور ، ولا على التراخي. قال الرازي في «المحصول» : والحق أنه موضوع لطلب الفعل ، ـ