يجوز أن تكون «خير» ليست للتفضيل ، ويكون المراد به خيرا من الخيور ، ويكون «من» صفة لقوله : «خير».
قال أبو البقاء (١) : «من» في موضع نصب بخير ، تقديره [بما يفضل من ذلك ، ولا يجوز أن يكون صلة لخير ؛ لأن ذلك يوجب أن تكون الجنة وما فيها](٢) مما رغبوا فيه بعضا لما زهدوا فيه من الأموال ونحوها ، وتابعه في ذلك أبو حيان.
فصل
كيفية النّظم أنه ـ تعالى ـ لما عدّد نعم الدنيا بيّن ـ هنا ـ أن منافع الآخرة خير منها كما قال في آية أخرى : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [الأعلى : ١٧] ؛ لأن نعم الدنيا مشوبة بالأنكاد ، فانية ، ونعم الآخرة خالصة ، باقية.
قوله : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) يجوز فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه متعلّق بخير ، ويكون الكلام تم هنا ، وترفع «جنّات» على خبر مبتدأ محذوف ، تقديره هو جنات ، أي ذلك الذي هو خير مما تقدم جنات ، فالجملة بيان وتفسير للخيريّة ، ومثله قوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) [الحج : ٧٢] ، ثم قال : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ويؤيد ذلك قراءة «جنّات» (٣) ـ بكسر التاء ـ على أنها بدل من «بخير» فهي بيان للخير.
والثاني : أن الجارّ خبر مقدم ، و «جنّات» مبتدأ مؤخر ، أو يكون «جنّات» فاعلا بالجار قبله ـ وإن لم يعتمد ـ عند من يرى ذلك ، وعلى هذين التقديرين ، فالكلام تم عند قوله : (مِنْ ذلِكُمْ ،) ثم ابتدأ بهذه الجملة ، وهي ـ أيضا ـ مبينة ومفسّرة للخيرية.
وأما الوجهان الأخيران فذكرهما مكي ـ مع جرّ «جنّات» ـ يعني أنه لم يجز الوجهين إلا إذا جررت «جنات» بدلا من «خير».
الوجه الأول : أنه متعلق ب «أؤنبّئكم».
الوجه الثاني : أنه صفة ل «خير».
ولا بد من إيراد نصه ؛ فإن فيه إشكالا ، قال ـ رحمهالله ـ بعد أن ذكر أن «للّذين» خبر مقدّم ، و «جنات» مبتدأ ـ : «ويجوز الخفض في «جنات» على البدل من «خير» على أن تجعل اللام في «للّذين» متعلقة ب «أؤنبّئكم» ، أو تجعلها صفة ل «خير» ، ولو جعلت اللام متعلقة بمحذوف قامت مقامه لم يجز خفض «جنات» ؛ لأن حروف الجر ، والظروف
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٢٧.
(٢) سقط في أ.
(٣) قرأ بها يعقوب.
انظر : الشواذ ١٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٤١٧ ، والدر المصون ٢ / ٣٦.