النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩] وهذه الآيات تدلّ على أن جميع الحوادث بإرادة الله تعالى.
والشّهداء : جمع شهيد كالكرماء ، والظّرفاء.
فصل
في تسميتهم «شهداء» وجوه :
أحدها : قال النّضر بن شميل : الشهداء أحياء ، لقوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ٩] فأرواحهم حية ، وقد حضرت دار السلام ، وأرواح غيرهم لا تشهدها.
الثاني : قال ابن الأنباريّ : لأن الله تعالى وملائكته شهدوا لهم بالجنة ، فالشهداء جمع شهيد ، «فعيل» بمعنى : «مفعول».
الثالث : لأنهم يشهدون يوم القيامة مع النبيّين والصّدّيقين ، فيكونون شهداء على الناس.
الرابع : سمّوا شهداء ، لأنهم لما ماتوا أدخلوا الجنة ، بدليل أنّ الكفّار لما ماتوا أدخلوا النار ؛ قال تعالى : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥].
فأما : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فهذا اعتراض بين بعض التعليل وبعض.
قال ابن عباس : أي : المشركين ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].
قوله : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) التمحيص : التخليص من الشيء.
وقيل : المحص كالفحص ، لكن الفحص يقال في إبراز الشيء من أثناء ما يختلط به وهو منفصل ، والمحص : يقال في إبرازه عما هو متصل به ، يقال : محصت الذهب ، ومحّصته ـ إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث ، ومحص الثوب : إذا زال عنه زئبره ومحص الحبل ـ إذا أخلق حتى ذهب عنه زئبره ، ومحص الظّبي : عدا. ف «محص» ـ بالتخفيف ـ يكون قاصرا ومتعديا ، هكذا روى الزجاج هذه اللفظة ـ الحبل ـ ورواها النقاش : محص الجمل ـ إذا ذهب وبره وامّلس ـ والمعنيان واضحان.
وقال الخليل : التمحيص : التخليص من الشيء المعيب.
وقيل : هو الابتلاء والاختبار.
قال الشاعر : [الطويل]
١٦٣٣ ـ رأيت فضيلا كان شيئا ملفّفا |
|
فكشّفه التّمحيص حتّى بداليا (١) |
__________________
(١) البيت لعبد الله بن معاوية. ينظر الكامل ١ / ١٨٣ واللسان (محص) وإرشاد الساري ٦ / ٢٩ وزاد المسير ٢ / ٤٦٧ ورغبة الآمل ٣ / ٢٤ والبحر المحيط ٣ / ٦٩ وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص ١١٣ والدر المصون ٢ / ٢١٧.