يحتمل هذين الوجهين ، ويحتمل أن يكون تفسيرا لقوله : (يُخْفُونَ) فلا محلّ له حينئذ.
قوله : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) كقوله : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) وقد عرف الصحيح من الوجهين.
وقوله : (ما قُتِلْنا هاهُنا) جواب «لو» وجاء على الأفصح ، فإن جوابها إذا كان منفيا ب «ما» فالأكثر عدم اللام ، وفي الإيجاب بالعكس ، وقد أعرب الزمخشريّ هذه الجمل الواقعة بعد قوله : «وطائفة» إعرابا أفضى إلى خروج المبتدأ بلا خبر فقال : «فإن قلت : كيف مواقع هذه الجمل الواقعة بعد قوله : «وطائفة».
قلت : (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) صفة ل («طائِفَةً) و (يَظُنُّونَ) صفة أخرى ، أو حال ، بمعنى : قد أهمتهم. نفسهم ظانّين ، أو اشتئناف على وجه البيان للجملة قبلها و (يَقُولُونَ) بدل من (يَظُنُّونَ).
فإن قلت : كيف صحّ أن يقع ما هو مسألة عن الأمر بدلا من الإخبار بالظنّ؟
قلت : كانت مسألتهم صادرة عن الظن ، فلذلك جاز إبداله منه ، و (يُخْفُونَ) حال من (يَقُولُونَ) و (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) اعتراض بين الحال وذي الحال ، و (يَقُولُونَ) بدل من (يُخْفُونَ) والأجود أن يكون استئنافا». انتهى.
وهذا من أبي القاسم بناء على أنّ الخبر محذوف ، كما تقدم تقريره في قوله : (وَطائِفَةٌ) أي : ومنكم طائفة ، فإنه موضع تفصيل.
فإن قيل : ما الفرق بين قوله : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) وبين قوله : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وقد أجاب عن الأول بقوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) وأجاب ههنا بغير ذلك؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أن المنافقين قال بعضهم لبعض : لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ، وما قتلنا هاهنا ، وهذا يدلّ على أنّ الأمر ليس كما قلتم من أنّ الأمر كلّه لله ، وهذا كالمناظرة الدائرة بين أهل السّنّة والمعتزلة ؛ فإنّ السّنّي يقول : الأمر كلّه ـ في الطّاعة والمعصية ، والإيمان والكفر بيد الله ، والمعتزلي يقول : ليس الأمر كذلك ؛ فإن الإنسان مختار ، ومستقلّ بالفعل ، إن شاء آمن وإن شاء كفر ، فعلى هذا الوجه لا يكون هذا الكلام شبهة مستقلة بنفسها ، بل يكون الغرض منه الطعن فيما جعله الله تعالى جوابا عن الشّبهة الأولى.
الثاني : أن المراد من قوله : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) أي : هل لنا من النّصرة التي وعدنا بها محمد صلىاللهعليهوسلم شيء؟ ويكون المراد من قوله : «لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا» هو ما كان يقوله عبد الله بن أبي من أن محمدا لو أطاعني ما خرج عن «المدينة» ، وما قتلنا ههنا.