إلا يومئذ ؛ رجاء أن أكون صاحبها ، قال : صلينا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثم نظر عن يمينه ، وعن يساره ، وجعلت أتطاول له ؛ ليراني ، فلم يزل يردّد بصره ، حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح ، فدعاه ، فقال : اخرج معهم واقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه ، قال عمر : فذهب بها أبو عبيدة (١).
وهذه الرواية تدل على أن المناظرة في تقرير الدين حرفة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وأن مذهب الحشوية ـ في إنكار البحث والنظر ـ باطل قطعا.
فصل في بيان الرد على النصارى
«في وجه الرد على النصارى في هذه الآية» :
وهو أن الحيّ القيوم يمتنع أن يكون له ولد ؛ لأنه واجب الوجود لذاته ، وكلّ ما سواه فإنه ممكن لذاته ، محدث ، حصل بتكوينه وإيجاده ، وإذا كان الكلّ محدثا مخلوقا امتنع كون شيء منها ولدا له ، ولما ثبت أن الإله يجب أن يكون حيّا قيوما ، وثبت أن عيسى ما كان حيّا قيّوما ، لأنه ولد ، وكان يأكل ، ويشرب ، ويحدث. والنصارى زعموا أنه قتل ، ولم يقدر على دفع القتل عن نفسه ، وهذا يقتضي القطع بأنه ليس بإله.
قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) العامة على التشديد في «نزّل» ونصب «الكتاب» ، وقرأ الأعمش ، والنّخعيّ ، وابن أبي عبلة (٢)(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) بتخفيف الزاي ورفع الكتاب.
فأما القراءة الأولى فقد تقدم أن هذه الجملة تحتمل أن تكون خبرا ، وأن تكون مستأنفة.
وأما القراءة الثانية ، فالظاهر أن الجملة فيها مستأنفة ، ويجوز أن تكون خبرا ، والعائد محذوف ، وحينئذ تقديره : نزل عليك الكتاب من عنده.
قوله : (بِالْحَقِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن تتعلق الباء بالفعل قبلها ، والباء ـ حينئذ ـ للسببية ، أي : نزله بسبب الحق.
ثانيهما : أن يتعلق بمحذوف ؛ على أنه حال ، إما من الفاعل ـ أي : نزّله محقّا ـ أو من المفعول ـ أي : نزله ملتبسا بالحق ـ نحو : جاء بكر بثيابه ، أي : ملتبسا بها.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٥١ ـ ١٥٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤) وزاد نسبته لابن اسحق وابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير وذكره أبو حيان في «البحر المحيط (٢ / ٣٨٩) وانظر «التفسير الكبير» للفخر الرازي (٧ / ١٥٤).
(٢) ينظر : الشواذ ١٩ ، المحرر الوجيز ١ / ٣٩٧ ، البحر المحيط ٢ / ٣٩٢ ، والدر المصون ٢ / ٨ والتخريجات النحوية ٢٤١.