بزيد ، أي : جعلته مكان ظني ، وعلى هذا المعنى حمل النحويون قول الشاعر : [الطويل]
١٦٧١ ـ فقلت لهم : ظنّوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم في الفارسي المسرّد (١) |
أي قلت لهم : اجعلوا ظنكم في ألفي مدجّج.
ويحصل في نصب (غَيْرَ الْحَقِ) وجهان :
أحدهما : أنه مفعول أول ل «يظنّون».
والثاني : أنه مصدر مؤكّد للجملة التي قبله بالمعنيين اللذين ذكرهما الزمخشريّ.
وفي نصب (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) وجهان ـ أيضا ـ : البدل من (غَيْرَ الْحَقِ) أو أنه مصدر مؤكّد ل (يَظُنُّونَ).
و «بالله» إما متعلق بمحذوف على جعله مفعولا ثانيا ، وإما بفعل الظنّ ـ على ما تقدم ـ وإضافة الظنّ إلى الجاهلية ، قال الزمخشريّ : «كقولك : حاتم الجود ، ورجل صدق ، يريد : الظنّ المختص بالملة الجاهلية ، ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية».
وقال غيره : المعنى : المدة الجاهلية ، أي : القديمة قبل الإسلام ، نحو : (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) [الفتح : ٢].
فصل
هؤلاء هم المنافقون ـ عبد الله بن أبيّ ، ومعتب بن قشير ، وأصحابهما ـ كان همتهم خلاص أنفسهم ، يقال : همني الشيء ـ إذا كان من همي وقصدي ـ وذلك أن الإنسان إذا اشتدّ انشغاله بالشيء صار غافلا عما سواه ، فلما كان أحبّ الأشياء إلى الإنسان نفسه ، فعند الخوف على النفس يصير ذاهلا عن كل ما سواها ، فهذا هو المراد من قوله : (أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)، وفي هذا الظنّ احتمالان :
أحدهما ـ وهو الأظهر ـ : أنهم كانوا يقولون في أنفسهم : لو كان محمد محقّا في دعواه لما سلّط الكفار عليه ـ وهذا ظنّ فاسد ، أما على قول أهل السّنّة فلأنه ـ تعالى ـ يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا اعتراض عليه. وأما على قول من يعتبر المصالح في أفعال الله وأحكامه ، فلا يبعد أن يكون لله حكم خفيّة ، وألطاف مرعيّة في تخلية الكافر بحيث يقهر المسلم ، فإنّ الدنيا دار امتحان وابتلاء ، ووجوه المصالح مستورة عن العقول.
قال القفال : لو كان كون المؤمن محقا يوجب زوال هذه المعاني لوجب أن يضطر الناس إلى معرفة كون المحقّ محقّا ، وذلك ينافي التكليف ، واستحقاق الثواب والعقاب ، والمحقّ إنما يعرف بما معه من الدّلائل والبيّنات ، فأمّا القهر فقد يكون من المبطل للمحقّ ومن المحقّ للمبطل.
__________________
(١) تقدم برقم ٤٥٨.