مصادر جاءت على «فعول» قبول ، وطهور ، ووقود ، ووضوء ، وولوع ، إلا أن الأكثر في الوقود ـ إذا كان مصدرا ـ الضّمّ ، يقال : قبلت الشيء قبولا ، وأجاز الفرّاء والزّجّاج ضم القاف من قبول وهو القياس ، كالدخول والخروج ، وحكاها ابن الأعرابي عن الأعراب : قبلت قبولا وقبولا ـ بفتح القاف وضمها ـ سماعا ، وعلى وجهه قبول ـ لا غير ـ يعني لم يقل هنا إلا بالضم ، وأنشدوا : [السريع]
١٤٢٠ ـ قد يحمد المرء وإن لم يبل |
|
بالشّرّ والوجه عليه القبول (١) |
بضم القاف ـ كذا حكاه بعضهم.
قال الزّجّاج : إن «قبولا» هذا ليس منصوبا بهذا الفعل حتى يكون مصدرا على غير المصدر ، بل هو منصوب بفعل موافق له ، ـ أي : مجردا ـ قال : والتقدير : فتقبلها بتقبّل حسن ، وقبلها قبولا حسنا ، أي : رضيها ، وفيه بعد.
والوجه الثاني : أن الياء ليست بزائدة ، بل هي على حالها ، ويكون المراد بالقبول ـ هنا ـ اسما لما يقبل به الشيء ، نحو اللدود ، لما يلدّ به. والمعنى بذلك اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر في النذر.
فصل
في تفسير ذلك القبول الحسن وجوه :
أحدها : أنه ـ تعالى ـ استجاب دعاء أمّ مريم ، وعصمها ، وعصم ولدها عيسى ـ عليه
السلام ـ من الشيطان.
روى أبو هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من مولود إلّا والشّيطان يمسه ـ حين يولد ـ فيستهلّ صارخا من مسّ الشّيطان إلّا مريم وابنها» ، ثم قال أبو هريرة : اقرأوا ـ إن شئتم ـ (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)(٢) ، طعن القاضي في هذا الخبر ، وقال : إنه خبر واحد على خلاف الدّليل ؛ وإنما قلنا : إنه على خلاف الدليل لوجوه :
الأول : أن الشيطان إنما يدعو إلى الشّرّ من يعرف الخير والشر ، والطفل المولود ليس كذلك.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٧٦.
(٢) أخرجه البخاري (٤ / ٣١٧) كتاب الأنبياء باب قول الله تعالى واذكر في الكتاب مريم ... رقم (٣٤٣١) ومسلم (٢ / ٢٢٤) وأحمد (٣ / ٢٨٨ ، ٢٩٢) والطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٣٧) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا وأخرجه الطبري (٦ / ٣٣٦) والحاكم (٢ / ٥٩٤) من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٣٠) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥) وعزاه للطبري عن ابن عباس.