[البقرة : ١٣٦] وهنا : «والنّبيّون» ، لأن التي في البقرة لفظ الخطاب فيها عام ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز ، بخلاف الخطاب هنا ، لأنه خاص ، فلذلك اكتفى فيه بالإيجاز دون الإطناب».
قال ابن الخطيب : قدّم الإيمان بالله على الإيمان بالأنبياء ؛ لأن الإيمان بالله أصل الإيمان بالنبوة ، ثم في المرتبة الثانية قدم ذكر الإيمان بما أنزل عليه ؛ لأن كتب سائر الأنبياء حرّفوها وبدّلوها ، فلا سبيل إلى معرفة أحوالها إلا بالإيمان بما أنزل على محمّد صلىاللهعليهوسلم فكأن ما أنزل على محمّد صلىاللهعليهوسلم كالأصل لما أنزل على سائر الأنبياء ، فلذا قدّمه ، وفي المرتبة الثالثة ذكر بعض الأنبياء ، وهم الأنبياء الذين يعترف أهل الكتاب بوجودهم ، ويختلفون في نبوتهم ، والأسباط : هم أسباط يعقوب الذين ذكر الله ـ تعالى ـ أممهم الاثنتي عشرة في سورة الأعراف.
فصل
قوله : (وَالنَّبِيُّونَ) بعد قوله : (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) من باب عطف العامّ على الخاص.
اختلف العلماء في كيفية الإيمان بالأنبياء المتقدّمين الذين نسخت شرائعهم. وحقيقة الخلاف أن شرعه لما صار منسوخا ، فهل تصير نبوّته منسوخة؟ فمن قال : إنها تصير منسوخة قال : نؤمن بأنهم كانوا أنبياء ورسلا ، ولا نؤمن بأنهم أنبياء ورسل في الحال.
ومن قال : إن نسخ الشريعة لا يقتضي نسخ النبوة ، قال : نؤمن بأنهم أنبياء ورسل في الحال ، فتنبّه لهذا الموضع.
فصل
قال ابن الخطيب : اختلفوا في معنى قوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فقال الأصمّ : الفرقان قد يكون بتفضيل البعض على البعض ، وقد يكون بالقول بأنهم كانوا على سبيل واحد في الطاعة لله ـ تعالى ـ والمراد أن تفرقاتهم بأسرها كانت على دين واحد في الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ وفي الانقياد لتكاليف الله ـ وهذا هو المراد.
وقال بعضهم : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) بأن نؤمن ببعض دون بعض ـ كما فرّقت اليهود والنصارى.
وقال أبو مسلم : لا نفرق ما جمعوا ، وهو كقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣] وذمّ قوما ووصفهم بالتفرّق ، فقال : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٩٤].
قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فيه وجوه :
الأول : أن إقرارنا بنبوّة هؤلاء الأنبياء إنما كان لأننا منقادون لله ـ تعالى ـ