فالجواب : نعم ، إلا أن ما هو السبب المتعارف كان مفقودا في حق عيسى ـ عليهالسلام ـ فكان إضافة حدوثه إلى الكلمة أكمل وأتم ، فجعل هذا التأويل كأنه نفس الكلمة ، كمن غلب عليه الجود والكرم يقال على سبيل المبالغة ـ : إنه نفس الجود ومحض الكرم ، فكذا ها هنا.
وأيضا فإن السلطان قد يوصف بأنه ظلّ الله ، ونور الله ـ إذا أظهر لهم ظل العدل ، ونور الإحسان ، فكذا عيسى ـ عليهالسلام ـ لما كان سببا لظهور كلام الله ـ تعالى ـ بكثرة بياناته ، وإزالة الشبهات والتحريفات عنه ، فسمّي بكلمة الله على هذا التأويل.
فصل
حدوث الولد من غير نطفة الأب ممكن ، أما على أصول المسلمين ، فظاهر ؛ لأنّ الله تعالى قادر على كل الممكنات ، وإذا خلق آدم من غير أمّ ولا أب ، فخلقه عيسى ـ عليهالسلام ـ من غير أب أولى ، وأما على أصول الفلاسفة فإنهم اتفقوا على أنه لا يمتنع حدوث الإنسان على سبيل التولّد ؛ لامتزاج العناصر الأربعة على القدر الذي يناسب بدن الإنسان ، وعند امتزاجها يجب حدوث الكيفية المزاجية ، وعند حصول الكيفية المزاجية ، يجب تعلّق النفس ، فثبت أن حدوث الإنسان ـ على سبيل التولد ـ معقول ممكن ، وأيضا إنا نشاهد حدوث كثير من الحيوانات على سبيل التولد ـ كتولّد الفأر عن المدر ، والحيّات عن الشعر ، والعقارب عن الباذروج ـ وإذا كان كذلك فتولّد الولد لا عن أب أولى ألا يكون ممتنعا. وأيضا ، فإن التخيّلات الذهنية كثيرا ما تكون أسبابا لحدوث الحوادث الكثيرة كما أن تصور حدوث المنافي ، يوجب حصول كيفية الغضب ، ويوجب حصول السخونة الشديدة في البدن ، وكما أن اللوح الطويل إذا كان موضوعا على الأرض ، قدر الإنسان على المشي عليه ، ولو جعل كالقنطرة على وهدة لم يقدر على المشي عليه ، بل كلما يمشي سقط ، وما ذاك إلا لأن تصور السقوط يوجب حصول السقوط ، وقد ذكر الفلاسفة أمثلة كثيرة لهذا الباب ، فما المانع أن يقال : إنها لما تخيلت صورة جبريل عليهالسلام [كفى ذلك في علوق](١) الولد في رحمها ، وإذا كانت هذه الوجوه ممكنة كان القول بحدوث عيسى ـ من غير أب ـ غير ممتنع.
قوله : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى) اسمه مبتدأ ، والمسيح خبره ، وعيسى بدل منه ، أو عطف بيان.
قال أبو البقاء : «ولا يجوز أن يكون خبرا آخر ؛ لأن تعدد الأخبار يوجب تعدد المبتدأ ، والمبتدأ مفرد ـ وهو قوله : اسمه ـ ولو كان «عيسى» خبرا آخر لكان أسماؤه أو أسماؤها ـ على تأنيث الكلمة» وأما من يجيز ذلك فقد أعرب «عيسى» خبرا ثانيا ، وأعربه
__________________
(١) في أ : إن حصل.