يحيى بن وثّاب بفتحها (١) جعله من لبست الثوب ألبسه ـ على جهة المجاز ، وقرأ أبو مجلز «تلبّسون» ـ بضم التاء ، وكسر الباء وتشديدها (٢) ـ من لبّس «بالتشديد» ، ومعناه التكثير.
والباء في «الباطل» للحال ، أي : متلبسا بالباطل.
فصل في معنى : تلبسون الحق
(تَلْبِسُونَ) تخلطون (الْحَقَّ بِالْباطِلِ) الإسلام باليهودية والنصرانية (٣).
وقيل : تخلطون الإيمان بعيسى ـ وهو الحق ـ بالكفر بمحمد ـ وهو الباطل ـ.
وقيل : التوراة التي أنزل الله على موسى بالباطل ، الذي حرّفتموه ، وكتبتموه بأيدكم ، قاله الحسن وابن زيد (٤).
وقال ابن عباس وقتادة : تواضعوا على إظهار الإسلام أول النهار ، ثم الرجوع عنه في آخر النهار تشكيكا للناس (٥).
قال القاضي : أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته صلىاللهعليهوسلم من البشارة والنعت والصفة ، ويكون في التوراة ـ أيضا ـ ما يوهم خلاف ذلك ، فيكون كالمحكم والمتشابه ، فيلبسون على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر.
وقيل إنهم كانوا يقولون : إنّ محمدا معترف بأن موسى حقّ ، ثم إنّ التوراة دالة على أن شرع موسى لا ينسخ ، وكل ذلك إلقاء للشبهات.
قوله : (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) جملة مستأنفة ، ولذلك لم ينصب بإضمار «أن» في جواب الاستفهام ، وقد أجاز الزجاج (٦) ـ من البصريين ـ والفرّاء (٧) ـ من الكوفيين ـ فيه النصب ـ من حيث العربية ـ تسقط النون ، فينتصب على الصرف عند الكوفيين ، وبإضمار «أن» عند البصريين.
ومنع ذلك أبو علي الفارسيّ ، وأنكره ، وقال : الاستفهام واقع على اللبس فحسب ،
__________________
(١) ينظر : الشواذ ٢١ ، والبحر المحيط ٢ / ٥١٥ ، والدر المصون ٢ / ١٣٢.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٥١٥ ، والدر المصون ٢ / ١٣٢.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٠٥) عن ابن زيد.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٠٧ ـ ٥٠٨) عن قتادة والسدي وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في «المختارة» من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (٢ / ٧٥ ـ ٧٦).
(٦) ينظر معاني القرآن للزجاج ١ / ٤٣٥.
(٧) معاني القرآن للفراء ١ / ٢٢١.