ويهمنا أن نوضح الآن الوجهة العملية للاصلاح التي جعلناها هدفنا بعد أكتناه تلك الاقوال ، فلا أريد أن أسرح في الخيال فأقول : يجب أن يكون التعليم عاما وان يشمل أبناء الشعب كافة. وانما رجحت لزوم أدخال (التعليم البسيط) في ربوعهم ، ومن ثم نرعى تقوية ذلك وتوسيعه تدريجيا ، ولذا أرى من الصعب ان نقلب البادية إلى حضارة وان كنا نتمنى ذلك إلا ان الاماني والاحلام تضليل. لم يشبع هؤلاء الخبز فكيف يصح ان نوجد فيهم (تخمة) من العلوم. وليس لهم مأوى فكيف نستطيع تعليمهم الكماليات ...!!؟
وهنا أثبت النهج الذي اختططته في تثقيف البدو على أساس (الثقافة البسيطة) ، وان يكون من طريق أوضاعهم في حياتهم. فإذا كان البدوي يفكر في طريقة القنص ، وفي اتخاذ تدابير لمحافظة كيانه خشية ان يبتلعه الآخرون وكلهم طالب صيد ، أو أن يرتاد المراعي ، فلا شك اننا نهدف في تعليمه نواحي اصلاح في هذه وامثالها وحسن التبصير بطرق ادارتها ، فلا تترك الفتوة الغريزية فيه ، ولا الشجاعة ولا العزة أو الشمم. وانما تصرف هذه إلى ناحية مهمة بأن لا تتجاوز أو تعتدي على الغير. وهكذا في الالتفات إلى حاجيات هؤلاء ، وما تقوم به حياتهم أو لا تترك ناحية تسير بهم نحو ما يعلمون بل نقوي فيهم خير الخصال لا سيما ما له مساس بالحياة الاجتماعية ، أو ما كان له ارتباط بسمرهم ، وما يخدم ثقافتهم.
وجل ما نتطلبه ان نجعل كل واحد منهم في مستوى أرقى من أي امرىء منهم في عقيدته ، في آدابه ، وفي مهمات حياته. بأن نجهد أن نجعله بدويا بصيرا متعلما نابها ، وان لا نميل به إلى أكثر.
والمناهج التي اقترحتها في تهذيب البدوي وثقافته :
١ ـ القراءة والكتابة بأبسط أوضاعها ، وأن نبذل له القرطاس بوفرة والا فلا يستطيع أن يقوم بحاجته وليس له وارد فضلا عن بعده عن المدن ونلاحظ بعض المطالب بعد أن يتعلم النحو والصرف بأقل ما يمكن تلقينه ...