وآخرون يرون لزوم الانتقال بهم من البداوة إلى الأرياف ومن الأرياف إلى المدن. ولعل هذا من نوع التعليق بالمحال لأن الانتقال تابع إلى أحوال طبيعية وقسرية لا يتيسر تحقيقها بسهولة ولم يكونوا في حالة يمكن أن نحققها بسهولة. وفي كل هذه الاحوال أبدينا عجزا من أيجاد طريقة لبث الثقافة في العشائر ...
وهكذا يرى آخرون لزوم أيجاد مدرسين حائزين أوصافا تلائم البادية ، وهم رجال دين ومهذبون بأن تتوازن القدرة والرجل الديني. والا حدثت مشاكل ونفرة. وحينئذ تحبط المشاريع ، ويحبط التدبير. وهل استعصى وجود مدرسين حائزين للأوصاف؟
ولما كنا سائرين في طريق بث الثقافة فلا وجه لقبول الآراء المارة وأمثالها مما يعد عرقلة في سبيل المشروع ، وان نجهد في تحقيق ما عزمنا عليه باتخاذ وسائله الأ أننا يجب ان لا نتخذ (طريقة التعليم) كما هو الشأن في المدن وبمقياس واسع. وما لا يدرك كله لا يهمل جله فلا نريد ان يكونوا مثل أهل المدن وبمناهجهم ومقياس حياتهم فيجاروهم في الثقافة ونجعل هؤلاء تابعين مناهج التعليم في (المعارف). وهل لهم تلك القدرة أو صبر لاجتياز العقبات حتى يتساوى الحضري والبدوي في الثقافة؟!
وهنا يهمنا ملاحظة أثر التعليم في البدو والدرجة التي يستحقون أن تبلغ بهم ليكونوا أعضاء فعالة في المجتمع فينالوا النصيب اللائق وان ندرك وجوه تحقيق الممكنات فيهم ليحصلوا من الثقافة على درجة وافية بحاجتهم أو بالتعبير الاولى أن يكونوا عارفين بما عندهم منتظما وزيادة قليلة. والمواهب تقويها وتزيد عليها ، أو تكتفي بما عندها.
وكنت أوضحت ذلك في كتاب عشائر العراق المجلد الاول ونشرته سنة ١٩٣٧ م. وأنا مسرور أن يتجدد البحث وتشاركني جماعة ممتازة من أهل الثقافة في الموضوع كما اني أوضحت ثقافة عشائر الكرد في المجلد الثاني. والاحوال متقاربة.