فإذا مال البدوي إلى الأرياف صار في حماية الدولة ، وامكنه قبول النظم الجديدة لان الأرياف في ادارتها لا تختلف عن القرية. ولكننا نرى الأرياف عندنا تابعة إلى (نظم البادية) بالرغم من زوال خصائص كثيرة ولدتها حالة البوادي. واذا وقع نزاع بين عشائر عديدة امكن الرجوع إلى (التحكيم) وتحديد المسؤوليات. وهذا امر شرعي أو قانوني في اصلاح ذات البين. وقد اوضحت ذلك في محله.
وهناك (عوائد) (١) او نظم معتادة (عادات) ولكن في غير الخصومات ، ويراعيها البدوي كالريفي ، والتفاوت بينهما قليل. وهي متآتية من المجتمع وملهماته والتلقين المستمر وتتعلق بالافراح والزواج والمجالس والمجتمعات. وهذا لا يضر بقاؤها أو ان طبيعة التحولات الحديثة تدعو إلى زوالها. وبين هذه ما هو مقبول من اعزاز الجار واكرام الضيف ، وحمايته والتكاتف والتعاون في حالات ظهور الطوارئ. وأما المرذول فيزال أيضا من طريق التلقين وبيان معايب العادة الرديئة. وكل الاقوام لا يخلون من أمثال هذه. ورجل الاصلاح يقتبسها من المعاشرة ، أو من آدابهم في شعرهم وأمثالهم ، أو من حكاياتهم المنقولة أو من وقائعهم التاريخية ، فيسعى للقضاء عليها من طريق التلقين أيضا. فالكثير من عوائدهم مقبول. ولا شك ان الاجتماعي الحكيم يعزز المقبول ، وينفر من الرديء. والبدوي لا يحتاج إلى أكثر من التوجيه بعد أن يكتسب الحالة الريفية فيستقر ... وهو أقرب إلى قبول التوجيه الحق بعد المعرفة.
كنت سألت مرة بدويا أصحيح انكم تنفقون (الخيرات) على موتاكم مما تكسبون من (غارة الضحى)؟ ولماذا يغضب البدوي من القول له (حرمك الله من غارة الضحى). فأجاب وهل أجل من غارة الضحى. فهي
__________________
(١) العوائد جمع عائدة. ومعناها المكررة. ويراد بها ما يراد من العادة ولكنها شائعة بعوائد. والمقاربة واضحة في المادة وفي المعنى. ويقال لها (عرف) و (سواني) جمع سانية. و (تعاملات).