جملة حاليّة من (نبيء) ويجوز أن يكون مرفوع الفعلين لفظ (ربّيّون) فيكون قوله (معه) حالا من (ربّيّون) مقدّما.
وجاءت هذه الآية على هذا النظم البديع الصالح لحمل الكلام على تثبيت المسلمين في حال الهزيمة وفي حال الإرجاف بقتل النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى الوجهين في موقع جملة (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) يختلف حسن الوقف على كلمة (قتل) أو على كلمة (كثير).
و (الرّبيّون) جمع ربيّ وهو المتّبع لشريعة الرّب مثل الربّاني ، والمراد بهم هنا أتباع الرسل وتلامذة الأنبياء. ويجوز في رائه الفتح ، على القياس ، والكسر ، على أنّه من تغييرات النسب وهو الذي قرئ به في المتواتر.
ومحلّ العبرة هو ثبات الربّانيّين على الدّين مع موت أنبيائهم ودعاتهم.
وقوله : (كَثِيرٌ) صفة (رِبِّيُّونَ) وجيء به على صيغة الإفراد ، مع أنّ الموصوف جمع ، لأنّ لفظ كثير وقليل يعامل موصوفهما معاملة لفظ شيء أو عدد ، قال تعالى : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء : ١] وقال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [البقرة : ١٠٩] وقال : (اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) [الأنفال : ٢٦] وقال : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) [الأنفال : ٤٣].
وقوله : (فَما وَهَنُوا) أي الربّيّون إذ من المعلوم أنّ الأنبياء لا يهنون فالقدوة المقصودة هنا ، هي الاقتداء بأتباع الأنبياء ، أي لا ينبغي أن يكون أتباع من مضى من الأنبياء ، أجدر بالعزم من أتباع محمد صلىاللهعليهوسلم.
وجمع بين الوهن والضّعف ، وهما متقاربان تقاربا قريبا من الترادف ؛ فالوهن قلّة القدرة على العمل ، وعلى النّهوض في الأمر ، وفعله كوعد وورث وكرم. والضّعف ـ بضم الضّاد وفتحها ـ ضدّ القوّة في البدن ، وهما هنا مجازان ، فالأوّل أقرب إلى خور العزيمة ، ودبيب اليأس في النّفوس والفكر ، والثّاني أقرب إلى الاستسلام والفشل في المقاومة. وأمّا الاستكانة فهي الخضوع والمذلّة للعدوّ. ومن اللطائف ترتيبها في الذّكر على حسب ترتيبها في الحصول : فإنّه إذا خارت العزيمة فشلت الأعضاء ، وجاء الاستسلام ، فتبعته المذلّة والخضوع للعدوّ.
واعلموا أنّه إذا كان هذا شأن أتباع الأنبياء ، وكانت النّبوءة هديا وتعليما ، فلا بدع أن يكون هذا شأن أهل العلم ، وأتباع الحقّ ، أن لا يوهنهم ، ولا يضعفهم ، ولا