بجهل ، إذ هي معدومة في الواقع ، بل لو علمها تعالى شهوديا حين عدمها لكان ذلك العلم هو الجهل ، لأنّ شهود المعدوم مخالف للواقع ، فالعلم المتغيّر الحادث هو العلم الشهودي.
فالحاصل أنّ ثمة علمين : أحدهما قديم وهو العلم المشروط بالشروط ، والآخر حادث وهو المعلوم الحاصلة عند حصول الشروط وليست بصفة مستقلّة ، وإنّما هي تعلّقات وإضافات ، ولذلك جرى في كلام المتأخّرين ، من علمائنا وعلماء المعتزلة ، إطلاق إثبات تعلّق حادث لعلم الله تعالى بالحوادث. وقد ذكر ذلك الشّيخ عبد الحكيم في «الرسالة الخاقانية» الّتي جعلها لتحقيق علم الله تعالى غير منسوب لقائل ، بل عبّر عنه بقيل ، وقد رأيت التفتازانيّ جرى على ذلك في «حاشية الكشّاف» في هذه الآية فلعل الشّيخ عبد الحكيم نسي أن ينسبه.
وتأويل الآية على اختلاف المذاهب : فأمّا الّذين أبو إطلاق الحدوث على تعلّق العلم فقالوا في قوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أطلق العلم على لازمه وهو ثبوت المعلوم أي تميّزه على طريقة الكناية لأنّها كإثبات الشيء بالبرهان ، وهذا كقول إياس بن قبيصة الطائي.
وأقبلت والخطي يخطر بينا |
|
لأعلم من جبانها من شجاعها |
أي ليظهر الجبان والشّجاع فأطلق العلم وأريد ملزومه.
ومنهم من جعل قوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) تمثيلا أي فعل ذلك فعل من يريد أن يعلم وإليه مال في «الكشاف» ، ومنهم من قال : العلّة هي تعلّق علم الله بالحادث وهو تعلّق حادث ، أي ليعلم الله الّذين آمنوا موجودين. قاله البيضاوي والتفتازانيّ في «حاشية الكشّاف». وإن كان المراد من قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) ظاهره أي ليعلم من اتّصف بالإيمان ، تعيّن التأويل في هذه الآية لا لأجل لزوم حدوث علم الله تعالى ، بل لأنّ علم الله بالمؤمنين من أهل أحد حاصل من قبل أن يمسّهم القرح ، فقال الزجاج : أراد العلم الّذي يترتّب عليه الجزاء وهو ثباتهم على الإيمان ، وعدم تزلزلهم في حال الشدّة ، وأشار التفتازانيّ إلى أنّ تأويل صاحب «الكشاف» ذلك بأنّه وارد مورد التمثيل ، ناظر إلى كون العلم بالمؤمنين حاصلا من قبل ، لا لأجل التحرّز عن لزوم حدوث العلم.
وقوله : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) عطف على العلّة السابقة. وجعل القتل في ذلك اليوم الّذي هو سبب اتّخاذ القتلى شهداء علّة من علل الهزيمة ، لأنّ كثرة القتلى هي الّتي أوقعت