قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧))
استئناف بياني لأن قوله : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ ...) إلخ يثير سؤال سائل عن إنفاقهم الأموال في الخير من إغاثة الملهوف وإعطاء الديات في الصلح عن القتلى.
ضرب لأعمالهم المتعلّقة بالأموال مثلا ، فشبّه هيئة إنفاقهم المعجب ظاهرها ، المخيّب آخرها ، حين يحبطها الكفر ، بهيئة زرع أصابته ريح باردة فأهلكته ، تشبيه المعقول بالمحسوس. ولمّا كان التّشبيه تمثيليا لم يتوخ فيه موالاة ما شبّه به إنفاقهم لأداة التّمثيل ، فقيل : كمثل ريح ، ولم يقل : كمثل حرث قوم.
والكلام على الريح تقدّم عند قوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) في سورة البقرة [١٦٤].
والصّر : البرد الشّديد المميت لكلّ زرع أو ورق يهبّ عليه فيتركه كالمحترق ، ولم يعرف في كلام العرب إطلاق الصرّ على الرّيح الشّديد البرد وإنّما الصرّ اسم البرد. وأمّا الصرصر فهو الريح الشديدة وقد تكون باردة. ومعنى الآية غني عن التأويل ، وجوز في «الكشاف» أن يكون الصرّ هنا اسما للريح الباردة وجعله مرادف الصرصر. وقد أقره الكاتبون عليه ولم يذكر هذا الإطلاق في الأساس ولا ذكره الراغب.
وفي قوله (فِيها صِرٌّ) إفادة شدّة برد هذه الريح ، حتّى كأنّ جنس الصر مظروف فيها ، وهي تحمله إلى الحرث.
والحرث هنا مصدر بمعنى المفعول : أي محروث قوم أي أرضا محروثة والمراد أصابت زرع حرث. وتقدّم الكلام على معاني الحرث عند قوله تعالى (وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران : ١٤] في أول السورة.
وقوله (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) إدماج في خلال التمثيل يكسب التمثيل تفظيعا وتشويها وليس جزءا من الهيئة المشبّه بها. وقد يذكر البلغاء مع المشبّه به صفات لا يقصدون منها غير التحسين أو التقبيح كقول كعب بن زهير :
شجّت بذي شبم من ماء محنية |
|
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول |
تنفي الرّياح القذى عنه وأفرطه |
|
من صوب سارية بيض يعاليل |
فأجرى على الماء الذي هو جزء المشبّه به صفات لا أثر لها في التشبيه.