عليه ، وليس حقيقا بالردّ : فإنّ للاستئناف البياني موقعا مع هذه الواو.
هذا وإنّ مواقع هذه الواو تؤذن بأنّ الشرط الذي بعدها شرط مفروض هو غاية ما يتوقّع معه انتفاء الحكم الذي قبلها ، فيذكره المتكلم لقصد تحقق الحكم في سائر الأحوال كقول عمرو بن معد يكرب :
ليس الجمال بمئزر |
|
فاعلم وإن ردّيت بردا |
ولذلك جرت عادة النحاة أن يقدّروا قبلها شرطا هو نقيض الشرط الذي بعدها فيقولون في مثل قوله : وإن ردّيت بردا ـ إن لم تردّ بردا بل وإن ردّيت بردا ـ وكذا قول النابغة :
سأكعم كلبي أن يريبك نبحه |
|
ولو كنت أرعى مسحلان فحامرا |
ولأجل ذلك ، ورد إشكال على هذه الآية : لأنّ ما بعد (وَلَوِ) فيها هو عين ما قبلها ، إذ الافتداء هو عين بذل ملء الأرض ذهبا ، فلا يستقيم تقدير إن لم يفتد به بل ولو افتدى به ، ولذلك احتاج المفسرون إلى تأويلات في هذه الآية : فقال الزجّاج المعنى لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ينفقه في الدنيا ولو افتدى به في الآخرة ، أي لا يفديهم شيء من العذاب ، وهذا الوجه بعيد ، إذ لا يقدر أنّ في الآخرة افتداء حتى يبالغ عليه ، وقال قوم : الواو زائدة ، وقال في «الكشاف» : هو محمول على المعنى كأنه قيل : فلن تقبل من أحدهم فدية ولو افتدى ملء الأرض ذهبا ، يريد أنّ كلمة بملء الأرض في قوة كلمة فدية واختصر بعد ذلك بالضمير ، قال ويجوز أن يقدر كلمة (مثل) قبل الضمير المجرور : أي ولو افتدى بمثله أي ولو زاد ضعفه كقوله : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) [الزمر : ٤٧].
وعندي أنّ موقع هذا الشرط في الآية جار على استعمال غفل أهل العربية عن ذكره وهو أن يقع الشرط استئنافا بيانيا جوابا لسؤال ، محقّق أو مقدّر ، يتوهمه المتكلم من المخاطب فيريد تقريره ، فلا يقتضي أنّ شرطها هو غاية للحكم المذكور قبله ، بل قد يكون كذلك ، وقد يكون السؤال مجرّد استغراب من الحكم فيقع بإعادة ما تضمنه الحكم تثبيتا على المتكلم على حدّ قولهم : «أدر ما تقول» فيجيب المتكلم بإعادة السؤال تقريرا له وإيذانا بأنه تكلم عن بينة ، نعم إنّ الغالب أن يكون السؤال عن الغاية وذلك كقول رؤبة ، وهو من شواهد هذا :