أقول : وهذا أيضاً ممّا استدلوا به للنجاسة ، وضعفه ظاهر لقيام القرينة الواضحة على أن المسوغ للتيمّم عدم الوصلة إلى الماء ، وأن المقتضي للنهي عن الإِفساد ما يترتّب على الوقوع من إثارة الحمأة (٤) ، وهي بالنظر إلى الشرب ، ونحوه إفساد ، وهو أعمّ من النجاسة ، فلا يدلّ عليها بخلاف الافساد في خبر محمّد بن إسماعيل ، فإنّه شامل بعمومه للنجاسة ، إن لم تكن مرادة بخصوصها ، قاله صاحب المنتقى (٥) .
ويؤيده أنه ليس فيه تصريح بوجود نجاسة على بدن الجنب ، فبتعيّن أن المراد بالإِفساد ما ذكر ، أو حصول النفرة ، أو إسراع التغيّر ، أو يكون النهي عن الوقوع لما فيه من الخطر والتعرض للهلاك الموجب لفساد الماء سريعاً ، لو مات فيها ، ومع قيام هذه الاحتمالات وغيرها لا يتمّ الاستدلال ، وما يأتي من الأمر بالنزح (٦) لا يدل على النجاسة كما لا يخفى ، وأحاديث الطهارة أوضح دلالة ، وأبعد من التقيّة ، بل لا معارض لها عند التحقيق ، ويؤيدها أحاديث طهارة الماء وأحاديث التغيّر وأحاديث الماء الجاري لأنه فرد منه ، قاله جماعة ؛ وفسّروا الجاري بالنابع جرى أم لا وأحاديث الكرّ لأنه كرّ غالباً ، وأحاديث المادة وغير ذلك . وقد تقدّم ما يدلّ على اعتبار الكريّة في ماء البئر (٧) ، وأن الشيخ حمله على التقيّة .
__________________
(٤) الحمأة : الطين الأسود المتغير ( مجمع البحرين ١ : ١٠٧ ) .
(٥) منتقى الجمان ١ : ٥٨ .
(٦) الأمر بالنزح الذي يأتي في الحديث ٢ من الباب ١٧ ، لا يدلّ على النجاسة بل فيه ما يدلّ على عدمها ، ويدلّ على أنّ الأمر بالنزح في غيرها لنظافة الماء وطيبته مثل :
أ ـ الحديث ٣ من الباب ١٥ من هذه الأبواب .
ب ـ والحديث ١١ من الباب ١٧ .
ج ـ والحديث ٥ و ٨ من الباب ١٩ ، مضافاً إلى ما ورد من الأمر بالنزح فيما يقع في البئر ممّا لا نفس له .
(٧) تقدّم في الحديث ٨ من الباب ٩ من هذه الأبواب ، ويأتي في الحديث ٢ من الباب ١٧ من هذه الأبواب .