فليت شعري ، لم لا يجوز التصدّق لأهل البيت بعد السؤال منهم رغبة في الثواب ، بالإيثار على أنفسهم ، وجاز لأبي يزيد ترك شرب الماء سنة ـ وهو من المحالات ـ بلا سؤال أحد منه ولا إيثار ، ولا هو من أفعال سيّد المرسلين والأنبياء الأوّلين ، ولا ورد بنحوه الكتاب والسنّة؟!
وقال الغزّالي في « إحياء العلوم » ، في كسر شهوة البطن (١) : الوظيفة الثانية : في وقت الأكل ومقدار تأخيره ، وفيه [ أيضا ] أربع درجات :
الدرجة العليا : أن يطوي ثلاثة أيّام فما فوقها ، وفي المريدين من ردّ الرياضة إلى الطيّ لا إلى المقدار ، حتّى انتهى بعضهم إلى ثلاثين يوما وأربعين يوما ، وانتهى إليه جماعة من العلماء يكثر عددهم ، منهم : محمّد ابن عمرو القرني ... وذكر جماعة ، ثمّ قال :
وقد كان أبو بكر الصدّيق يطوي ستّة أيّام ، وكان عبد الله بن الزبير يطوي سبعة أيّام ، وكان أبو الجوزاء صاحب ابن عبّاس يطوي سبعا ، وروي أنّ الثوري وإبراهيم بن أدهم كانا يطويان ثلاثا ثلاثا ، كلّ ذلك [ كانوا ] يستعينون بالجوع على طريق الآخرة ... ثمّ نقل عن متصوّف أنّه طوى ستّين يوما (٢).
فانظر إلى هذه الحكايات التي ما جاء بها الشرع ، وما كانت من فعل سيّد المرسلين ، يروونها في كتبهم ويصدّقون استمرار أوليائهم عليها ، ويكذّبون أن يتصدّق أهل البيت اتّفاقا بطعامهم ثلاثة أيّام لسؤال من سأل إيثارا على أنفسهم!
فهل الفرق إلّا اتّباع الهوى والجفاء لمن طهّرهم الله تعالى من الرجس
__________________
(١) ص ٧٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ٢٢٥ ]. منه قدسسره.
(٢) إحياء علوم الدين ٣ / ٢٢٥.