ففيه : إنّ القصّة دالّة على فضل الحسنين وبلوغهما في المعرفة إلى منتهى الغايات ؛ لصدورها عنهما حال صغرهما بنحو استحقّا من الله سبحانه الثناء عليهما في كتابه المجيد ، وشهد لهما فيه بأنّهما أطعما لوجهه ، وكانا يخافان منه.
ولا ريب في أنّ الصغير الذي يصدر منه ذلك أكبر من الكبير الذي لم يعرف الله تعالى أكثر عمره ، وعصاه في عظام الأمور ، كالفرار من الزحف (١) ، فيكون الحسنان أفضل من شيوخ الصحابة.
ولا شكّ أنّ أمير المؤمنين أفضل من الحسنين ، بالنصّ والإجماع ، فيكون أفضل من الصحابة جميعا ، فيكون هو الإمام.
هذا ، والعجب من تمالؤ هؤلاء القوم على محو فضائل آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالأوهام الكاسدة والخيالات الفاسدة ، دون ما يروونه في فضائل غيرهم ، وإن كان ظاهر الكذب والبهتان ، فقد رأيت الفضل كيف استشكل من جواز تلك الصدقة ، وهو قد ذكر في مبحث الحلول أنّ أبا يزيد البسطامي (٢) ترك شرب الماء سنة تأديبا لنفسه ، وعدّه منقبة له (٣).
__________________
(١) فقد فرّ المشايخ وأغلب الصحابة في غزوتي أحد وحنين ، وأسلموا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنيّة ، وكذا انهزموا في غزاة خيبر ؛ فانظر مثلا : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، المغازي ـ للواقدي ـ ٢ / ٦٠٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٧ و ٦٩ و ١٦٧ ـ ١٦٨ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ٢٢٣ ، تفسير الفخر الرازي ٩ / ٥٣ ، تاريخ دمشق ٤ / ١٦ ـ ١٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٩ و ٤٠ ح ٤٣٣٨ أ و ٤٣٤٠ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣ ، السيرة الحلبية ٢ / ٥٠٤ ، شرح الزرقاني على المواهب اللدنّيّة ٣ / ٢٢٥.
(٢) مرّت ترجمته في ج ٢ / ١٩٦ من هذا الكتاب.
(٣) راجع ج ٢ / ٢٠٨ من هذا الكتاب.