وتقوم قرى على ضفتى النيل فى بقية المملكة ، وهى مأهولة بالزراع ، وتكثر الغلال فى كل بلاد النوبة ، وكذلك السكر ، ولكن لا يعرفون طريقة طبخه ، حتى إنه يصبح أسود اللون وكريها. ويوجد فى دنقله الكثير من قط الزبّاد ومن خشب الآبنوس الكاذب أو السانغو (١٠٢) ، وكذلك العاج بكمية كبيرة لأنه يجرى صيد الكثير من الفيلة كما توجد هنا سموم غاية فى الشدة. فحبة (١٠٣) من أحدها ، إذا ما وزعت به عشرة رجال قتلتهم فى خلال ربع ساعة. وسعر هذه السموم يعادل مائة دينار للأونسة (١٠٤). ولا تباع للأجانب إلا مقابل تأمين ، وحتى قسم ، بأنهم لن يستعملوها فى بلاد النوبة. ويدفع المشترى للملك ضريبة تعادل ثمن السم. ولهذا لا يجرؤ أى واحد أن يبيع منه سرا خشية أن توقع عليه عقوبة الإعدام. وملك النوبة فى حالة حرب دائمة ، تارة ضد القرعان ، الذين ينتسبون لعرق مشابه لعرق الزنغاري (١٠٥) ، والذين يعيشون بحالة بائسة فى الصحراء ولا يفهم أحد لغتهم ، وتارة مع نوع آخر من الناس الذين يعيشون فى الصحراء أيضا ولكن فى القسم الواقع إلى الشرق ، فيما وراء النيل. وتمتد هذه الصحراء حتى البحر الأحمر ، تجاه تخوم سواكن.
ويتكلم هؤلاء لغة أعتقد أنها مخلوطة بالكلدانية ، والتى تقترب كثيرا من اللغة التى يتكلمها أهل سواكن وفى الحبشة العليا وحيث يوجد مقر البطريق يوحنا. ويدعى هذا الشعب البجا (١٠٦) ، وهم رجال من سفلة القوم ، رديئو الهندام وفقراء ، يعيشون على الحليب ولحم جمالهم ومن الصيد البرى. وبنالون أحيانا بعض المعونات من أمير سواكن أو من أمير دنقله.
وكان لهم فى الماضى مدينة ضخمة على البحر الأحمر تدعى عيذاب ، حيث كان يقوم ميناء واقع مباشرة تجاه ميناء جدة الواقع على مسافة أربعين ميلا من مكة (١٠٧).
__________________
(١٠٢) واسمه العلمي DalBergia Melanoxylon
(١٠٣) أي ٤٩ ميلجرام.
(١٠٤) أي شرفي مصري والأونسة ٢٨ جرام.
(١٠٥) أي البوهيميين أو النور.
(١٠٦) فى العربى بجا بضم الباء ، ولغتهم خاصة بهم هي اللغة البجاوية ، التي تتلاشى شيئا فشيئا أمام اللغة العربية ، والبجا هم قوم بلّميس فى العصور القديمة.
(١٠٧) الحقيقة ٥٥ ميلا أو ٨٧ كم.