جربة ومن صفاقس. وهي عالية وباردة ، ولا ينبت فيها القمح. وينبت فيها شيء يسير من الشعير ، مما لا يكفي لاستهلاك نصف العام. وسكان هذه الجبال شجعان حقا. ولكنهم يعتبرون من ناحية العقيدة مارقين في نظر المسلمين من مذهب خلفاء القيروان. وقد عزف الناس في مختلف اقطار افريقيا عن هذه العقائد المارقة باستثناء هؤلاء الجبليين. ولهذا يذهبون الى ضواحي تونس وللمدن الأخرى حيث يمارسون المهن الحقيرة كي يكسبوا قوتهم ، ولا يجرؤون على الجهر بمعتقداتهم ، خوفا من عقاب المفتشين (٢٠٦).
جبال غريان
غريان جبل عال وبارد ، يبلغ طوله أربعين ميلا وعرضه خمسة عشر ميلا (٢٠٧)
__________________
(٢٠٦) وهنا يضم المؤلف تحت اسم جبال نفوسة جبال مطماطة الحالية في جنوب غرب قابس وجبل نفوسة ذاته من منطقة طرابلس. والمارقون المقصودون هنا هم الخوارج من المذهبين الأباضي والوهبي. واستنادا الى اقوال ابن حوقل أنه بعد معركة النهروان ، سنة ٦٥٨ م ، حيث سحق الخليقة على بن أبي طالب عصابة مسلّحة مؤلفة من ألف وخمسمائة خارجي ، التجأ اثنان من زعمائهم وهما عبد الله بن أباض وعبد الله بن وهب الى جبل نفوسة قبل عام ٦٦١ م وماتا فيه. وكان بعض الذين نجوا من النهروان بصحبتهما. وبعد ذلك أصبح جبل نفوسة وكل جنوب بلاد البربر عبارة عن مكان لجوء للخوارج الشرقيين من مختلف المذاهب ، وقد ظل الحلفاء السنّيون يطاردونهم. والحقيقة هي أن هؤلاء الخوارج هم الذين نشروا الاسلام في كل بلاد البربر باستثناء المدن والمناطق التي استطاع الفتح العربي أن يوحدها وأن يقيم فيها ادارة مدنية وعسكرية كافية. وظل جبل نفوسة وجزيرة جربة ومنطقة وادي المزاب في الجنوب الجزائري موطن الخوارج من المذهبين الأباضي والوهبي. ولا نعرف شيئا عن التفتيش الاسلامي في القرن السادس عشر ، ولكن في أيامنا ظل الاسلام السنى والاسلام الخارجي متفاهمين عمليا رغم بقاء كل منهما مصرّا على مواقفه العقائدية. وكان خلفاء القيروان يتبعون المذهب الشيعي (الاسماعيلي) ، والذي كان له نزاعات خطيرة مع الخوارج في بلاد البربر. «ويشبه المؤلف هنا مواقف المسلمين من أشياع السنة من الخوارج كموقف النصارى من مسلمي الاندلس بعد سقوطه بأيديهم والذين لاقوا الأهوال من محاكم التفتيش الاسبانية الرهيبة ، وهذا لم يحدث مطلقا لأن التسامح كان ولا يزال من ابرز ملامح الاسلام في كل زمان ومكان» (المترجم).
«المذهب الأباضي في اتجاهه الفقهي التشريعي مذهب اسلامي يستمد احكامه من الاصول التي تستمد منها المذاهب الاسلامية الاخرى أحكامها ، وان كان لأصحابه طرائق فى الاستنباط تختلف عن طرائق غيرهم. ويدرس هذا المذهب في كلية الشريعة بجامعة الأزهر ويرجع اليه فقهاؤنا في كثير من الشؤن. وهو احد المذاهب التي تتضمنها موسوعة الأحكام الفقهية التي يقوم بإعددها مجمع البحوث الاسلامية والمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية في دولة الكويت. ولا يعتبر اتباعه مارقين عن الاسلام. ويسير عليه الآن معظم سكان مسقط وعمان وكثير من اهل زنجبار وليبيا وتونس والجزائر ، انظر كتابنا «المجتمع العربي ص ٧٤». (المراجع)
(٢٠٧) ٦٤ كم في ٢٤ كم.